للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى الجملة فقد صار مذهب الكعبي شجًّا في حلوق القائلين أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وبالعكس، وقذًا في أعين الذاهبين إلى وجوب ما لا يتم الواجب إلا به، وهم الجمهور (١) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.% من حديث [٦] أبي موسى قال: قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد، قال: يعمل بيديه فينفع نفسه، ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير. قال: أرأيت أن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر، فإنها صدقة» فجعل- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مجرد الإمساك صدقة، فلا شيء من الإمساك بمباح وهو المطلوب. واعتبار القصد والخطور لا دليل عليه إن كان ذلك أمرًا زائدًا على مجرد النية التي تتوقف الإثابة على الأفعال والتروك عليها.

ومن الأدلة الدالة على مذهب الكعبي أيضًا حديث أبي ذر قال: «قالوا يا رسول الله، أحدنا يقضي شهوته ويكون له صدقة؟ قال: أرأيت لو وضعها في غير حلها، ألم يكن يأثم» أخرجه أبو داود (٢) كمسلم في صحيحه رقم (٥٣/ ١٠٠٦) وأحمد (٥/ ١٦٧ - ١٦٨). وهو حديث صحيح.%، فجعل- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وضع


(١) انظر بداية الرسالة.% أيضًا، ولا مخلص لهم عنه كما اعترف بذلك جماعة من محققيهم، فإذا ترتب صحة القول في هاتين المسألتين اللتين هما من أمهات مسائل الأصول، ومهماتها على قول الكعبي، ولم يقع النقص عنه إلا بتكلفات قد عرفناك سقوطها، فلا معذرة للجمهور عن القول به، والاعتراف بصحته.
وقد عرفت ما أسلفناه في تقرير مذهب الكعبي، وأنه مجمع عليه من تلك الحيثية فلا نعيده.
ومن الأدلة على صحة مذهب الكعبي ما أخرجه الشيخان
(٢) في «السنن» رقم (٥٢٤٣) و (٥٢٤٤).% وغيره