للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للتفتازاني (١) - رحمه الله- أم الخلاف معنوي، فهو المطلوب تحقيقه؛ لأن من قال باستحالة وجوده الطبيعي في الخارج لا بد أن يكون هو في حد ذاته متميزًا عن غيره بحيث لا يفرض العقل اشتراكه مع أنه مشترك بين أفراد متمكنة في أماكن مختلفة، ومتصفة بصفات متضادة، فيلزم الخلف، ونقول: ومع كون كل وحد من الجزئيات عين الآخر في الخارج فق أسهبنا في الكلام لتعلق المطلوب بلفظ التعريفات غير المتفقة لفظًا ومعنى، فأوضحوا لنا التحقيق في هذا المقام.- أمتع الله المسلمين بطول حياتكم، وأدام النفع بكم-.

وبحيث إن وجدت مباحثة بين التاج السبكي ووالده (٢) الشيخ الإمام التقي في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ملخصة من الأشباه والنظائر لفظها: مسألة معروفة بالإشكال، مذكورة لمعالم الرجال، مشهور بين الفرسان، محررة لتصحيح الأذهان: اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي باعتبار وقوعها على الإفراد، وعلم الجنس الموضوع لها مقصودًا به تمييز الجنس عن غيره، من غير نظر إلى الإفراد هو الذي كان أبي يختاره في الفرق بن اسم الجنس وعلم الجنس (٣)، وأنا قائل بما قاله أبي غير أن لي


(١) (٢/ ١٥٥ - ١٥٦).
(٢) انظر ذلك في «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» (١/ ١٥٣ - ١٥٤).
(٣) العلم: هو اسم يعين مسماه.
فقولنا «اسم» جنس مخرج لما سواه من الأفعال والحروف، وقولنا «بعين مسماه» فصل مخرج للنكرات، وقولنا «مطلقًا» مخرج لما سوى العلم من المعارف، فإنه لا يعينه إلا بقرينة، إما لفظية مثل (أل) أو معنوية كالحضور والغيبة في أنت وهو. وهذا الحد لابن مالك.
وهو قسمان:
قسم شخصي: وهو الموضوع للحقيقة بقيد الشخص الخارجي، وهو المراد بقوله «فإن كان التعيين خارجيًّا فعلم شخص، كجعفر، علم رجل، وخرنق، علم امرأة.
وأشير إلى القسم الثاني: بقوله (وإلا) أي وإن لم يكن التعيين خارجيًّا بأن لم يوضع على شخص موجودة في الخارج، وإنما وضعه للماهية بقيد الشخص الذهني (فـ) علم (جنس) كأسامة، فإنه علم على الأسد بقيد بشخص ماهيته في ذهن الواضع، وكذا ثعالة على الثعلب، فإن كلاً منهما لم يوضع على واحد من جنسه بعينه، فتشمل الماهية كل أفراد الجنس، ولا يختص ذلك بما لا يؤلف من الوحوش، بل يكون أيضًا لبعض المألوفات، كأبي المضاء لجنس الفرس.
والاسم (الموضوع للماهية من حيث هي)؛ أي: لا بقيد تشخصها في الذهن ولا عدم تشخصها- كأسد- فهو (اسم جنس).
إذا تقرر هذا، فعلم الجنس يساوي علم الشخص في أحكامه اللفظية من كونه لا يضاف، ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بنكرة، ولا بقبح مجيئه مبتدأ، ولا انتصاب النكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية.
ويفارقه من جهة المعنى لعمومه، إذ هو خاص شائع في حالة واحدة مخصوصة باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهي، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطًا من تلك الحقيقة في الخارج.
- وأما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس، فقال بعضهم، إن اسم الجنس الذي هو أسد، موضوع لفرد من أفراد النوع لا بعينه، فالتعدد فيه من أصل الوضع، وإن علم الجنس الذي هو أسامة، موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن، فإذا أطلقت أسدًا على واحد، أطلقته على أصل وضعه، وإذا أطلقت أسامة على الواحد، فإنما أردت الحقيقة، ويلزم من ذلك التعدد في الخارج، فالتعدد فيه ضمنًا لا قصدًا بالوضع.
ويتساويان في صدقهما على صورة الأسد، إلا أن علم الجنس وضع لها من حيث خصوصها باستحضارها في الذهن، واسم الجنس وضع لها من حيث عمومها.
انظر: «الكوكب المنير» (١/ ١٤٦ - ١٤٧). «تنقيح الفصول» (ص ٣٣). «تسهيل الفوائد» (ص ٣٠).