للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الميتة (١) في حديث، وبتحريم شحومها (٢) في حديث آخر، وكلاهما في الصحيح.

قلت: نعم، لا يحل بيع شيء من أجزاء الميتة كما في الحديثين المشار إليهما. وقد علل النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ذلك بقوله: «إن الله [٢ أ] إذا حرم شيئًا حرم ثمنه» كما ثبت في الصحيح (٣)، فصرح- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث بأن تحريم البيع لازم من لوازم تحريم الأكل، ومتفرع عليه، فيحرم البيع لأجزاء الميتة جميعًا، ومن ذلك العصب والإهاب قبل دبغه (٤) لا بعده، فهو مخصوص بأحاديث صحيحة، ويختص العصب والإهاب بتحريم الانتفاع بهما، ويبقى ما عدا ذلك على أصل الجواز.

واعلم أن النهي عن الانتفاع بالعصب والإهاب، وانهي عن بيع الميتة لا يستلزمان أن تكون الميتة نجسة على وجه يمنع وجود شيء منها صحة صلاة .......................


(١) عن جابر قال: أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام». أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٢٣٦) ومسلم رقم (٧١/ ١٥٨).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرج أحمد (٣/ ٣٧٠) وأبو داود رقم (٣٤٨٨) عن ابن عباس قال: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوه وأكلوا أثماها، وأن لله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه».
وهو حديث صحيح.
قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (٤/ ٣٢٤ - ٣٢٥): وفي قوله: حرام، قولان:
أحدهما: أن هذه الأفعال حرام.
الثاني: أن البيع حرام، وإن كان المشتري يشتريه لذلك.
والقولان مبينان على أن السؤال هل وقع عن البيع لهذا الانتفاع المذكور؟ أو عن الانتفاع المذكور؟ والأول اختاره شيخنا، وهو الأظهر؛ لأنه لم يخيرهم أولًا عن تحريم هذا الانتفاع، حتى يذكروا له حاجتهم إليه، وإنما أخبرهم عن تحريم البيع فأخبروه أنهم يبتاعونه لهذا الانتفاع، فلم يرخص لهم في البيع ولم ينههم عن الانتفاع المذكور، ولا تلازم بين جواز البيع وحل المنفعة. والله تعالى أعلم.
(٤) انظر: «المغني» (٦/ ٣٦٢).