للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أورده النافون للقياس من تلك الإشكالات، لأن الإلحاق بعدم الفارق لما كان في غاية الوضوح والجلاء اندفع عنه كل إيراد وإشكال وتشكيك كما يعرف ذلك فحول علماء الأصول، وأهل الرسوخ في علمي المعقول والمنقول. ويدل لعدم انتقاض طهارة من به علة من هذه العلل المتقدمة ما علمناه من كليات هذه الشريعة المطهرة [٤ أ] التي يندرج تحت عمومها هؤلاء وأمثالهم، وذلك مثل قول الله- سبحانه-: {فاتقوا الله ما استطعتم} (١) فإن فيها تقييد التقوى بالاستطاعة، فما خرج عنها فليس من التكاليف التي كلف الله بها عباده، ومعلوم أنا لو قلنا أنها تنتقض طهارة من به علة من تلك العلل بالخارج الذي لا يمكنه الاحتراز عنه، وبالحدث الذي لا يقدر على إمساكه لكان ذلك تكليفًا له بما لا يستطيعه.

وقد فهم الصحابة- رضي الله عنهم- من هذه الآية تخفيف التكليف عليهم، ولهذا عظم عليهم الأمر لما نزل قول الله- سبحانه-: {اتقوا الله حق تقاته} (٢) وصرحوا بأن ذلك ليس في قدرتهم، ولا يدخل تحت استطاعتهم، فنزل قول الله- سبحانه-: {اتقوا الله ما استطعتم} (٣) ففرحوا بذلك، وزال عنهم ما وجدوه من الحرج عند نزول الآية المتقدمة (٤)، ومثل هذه الآية قول النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا به ما استطعتم» (٥) ومثل قوله- صلي الله عليه وآله وسلم-: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» (٦) وهي أحاديث ثابتة في الصحيح. ومثله حديث: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب». وحديث:


(١) [التغابن: ١٦].
(٢) [آل عمران: ١٠٢].
(٣) [التغابن: ١٦].
(٤) انظر «تفسير ابن كثير» (٨/ ١٤٠).
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (٤٣٤٤، ٤٣٤٥) ومسلم رقم (٧١/ ١٧٣٣) من حديث أبي موسى الأشعري.