للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غسل مرة واحدة، والزيادة مقبولة وإن كان المزيد أصح منها.

قلت: إنما يتم هذا لو لم ينص الأئمة على عدم صحة شيء بالمرة.

فإن قلت: فهلا جمعت بين الأحاديث مجمل تكرير الغسل والوضوء على الاستحباب كما فعل بعض الأئمة. وقد تقرر أن الجمع مقدم على الترجيح.

قلت: لو سلمنا أن هذا الجمع متحتم فليس هاهنا وجوب غسل متكرر (١)، ولا وجوب وضوء متكرر وهو المطلوب، وقد عرفت مما تقدم أنه لم يكن مطلوبنا هاهنا إلا تقرير أن دم الأستحاضة ليس من الأحداث التي ينتقض بها الوضوء على أي صفة كان، وإذا ثبت هذا فلا فرق بين المستحاضة وبين من به سلس البول. أو سلس الغائط، أو سلس الريح، أو فيه جرح يستمر خروج الدم، أو القيح [] (٢). وبه يتعذر الاحتراز عنه، فيكون من به شيء من هذه العلل كالمستحاضة لعدم الفرق بينها وبينهم بوجه من الوجوه.

ويثبت لهم حكمها ثبوتًا ليس فيه شك ولا إشكال (٣). ولا يتيسر في مثل هذا إيراد ما


(١) وما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الاغتسال إلا لإدبار حيضة هو حق، لفقد الدليل الصحيح الذي تقوم به الحجة لا سيما في مثل هذا التكليف الشاق فإنه لا يكاد يقوم مما دونه في المشقة إلا خلص العباد، فكيف بالنساء الناقصات الأديان بصريح الحديث، والتيسير وعدم التيسير من المطالب التي أكثر المختار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإرشاد إليها، فالبرأة الأصلية المعتضدة بمثل ما ذكر لا يعني جزم بالانتقال عنها بما ليس بحجة توجب الانتقال وجميع الأحاديث التي فيها إيجاب الغسل لكل صلاة كل واحد منها لا يخلو عن مقال، لا يقال إنها تنتهض للاستدلال بمجموعها، لأنا نقول: ـ يوجد ما يعارضها وأما إذا كانت معارضة بما هو ثابت في الصحيح فلا كحديث عائشة رضي الله عنها- تقدم- فإن فيه «أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر فاطمة فلا أبي جحش بالاغتسال عند ذهاب الحيضة فقط. وترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول ... ».
انظر: «الأم» (١/ ٢٤٥) و «المجموع» للنووي (٢/ ٥٥٤). «المغني» (١/ ٤٢٢).
(٢) كلمة غير واضحة في المخطوط.
(٣) انظر «المغني» (١/ ٤٢١ - ٤٢٣).