للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به، وذلك واسع. وكذا قال سفيان بن عيينة، والليث بن سعد، وغيرهما.

قال النووي (١) ولم يصح عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنه أمر المستحاضة بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضتها، وهو قوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي» (٢) وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل. قال: وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أمرها بالغسل، فليس فيها شيء ثابت. وقد بين البيهقي (٣) ومن قبله ضعفها انتهى.

فإن قلت: هذه الأحاديث، وإن كان في كل واحد منها مقال لا ينتهض معه للاستدلال، لكنها تنتهض بمجموعها، ويشهد بعضها لبعض، فيكون من الحسن لغيره، وهو معمول به [٣ ب]. ومع هذا فقد صحح بعضها بعض الأئمة، وحسن بعضها بعض آخر منهم.

قلت: أما تصحيح من صحح بعضها، وتحسين من حسن بعضها فقد قدمنا أنه لم يقع موقعه، وأنه وهم من قائله. وأما شهادة بعضها لبعض، وانتهاض بعضها للاستدلال فهو إنما يكون لو كانت سالمة من معارض، هو أنهض منها، ولم تسلم هذه الأحاديث من معارض، بل عورضت بما هو صحيح بلا خلاف، وهو أنه لا يجب ىعليها إلا غسل واحد عند إدبار وقت الحيضة، ولا يلزمها تجديد الغسل لكل صلاة أو للصلاتين، وكذلك لا يلزمها تجديد وضوء لكل صلاة أو للصلاتين.

فإن قالت: إنه لا معارضة هاهنا، لأن الغسل المتكرر، والوضوء المتكرر لا ينافي


(١) في «المجموع» (٢/ ٥٥٤).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحة رقم (٣٠٦) والنسائي (١/ ١٨٤) وأبو داود رقم (٢٨٢). وهو حديث صحيح.
(٣) في المخطوط غير واضح وما أثبتناه من «نيل الأوطار» شرح الحديث رقم (١٧/ ٣٢٥) بتحقيقنا.