للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ٍٍ

يقول: «من سجد لله سجدة كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة»، ومعلم أن المراد بهذه السجدات المذكورة في هذه الأحاديث هي السجدات المنفردة كما هو المعنى الحقيقي وصدقه مجاوًا على السجود الكائن في الصلاة لا يضرنا ولا يدفع صدقه على السجود المنفرد والحاصل أن السجود نوع من أنواع العبادة مرغب فيه بهذه الحاديث وغيرها يتقرب به العبد كما يتقرب بالصلاة لورود التغيب والوعد النبوي بالأجر الجزيل عليه وفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض أنواعه لا يمنع من فعل غيره كما هو شأن الترغيب العام بالقول ومثل هذا لا يخفى فيسجد في أي وقت شاء على أي صفة أراد ومن أنكر عليه ذلك فهو لا يدري بهذه الأحاديث التي ذكرناها وأشرنا إلى غيرها أو يدري بها ولكنه لا يفهم أن المشروعية ثبتت بدون ذلك [١ب] ومن قال بأن المشروع من السجود إنما هو بعض أنواعه مثل سجود التلاوة (١) والشكر (٢) ونحو ذلك فيقال له يلزم هذا في


(١) (منها): ما أخرجه مسلم في صحيحة رقم (١٠٨/ ٥٧٨) وأبو داود رقم (١٤٠٧) والترمذي رقم (٥٧٣، ٥٧٤) وقال: حديث حسن صحيح والنسائي (٢/ ١٦١، ١٦٢) وابن ماجه رقم (١٠٥٨).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في: {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: ١]. و {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: ١].
وهو حديث صحيح.
ومنها ما أخرجه البخاري رقم (١٠٧١) عن ابن عباس قال: «أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد بالنجم».
(٢) منها: ما أخرجه أحمد (٥/ ٤٥) وأبو داود رقم (٢٧٧٤) والترمذي رقم (١٥٧٨) وابن ماجه رقم (١٣٩٤) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وهو حديث حسن.
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كان إذا جاءه خبر يسره خر ساجدًا لله».
قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (٢/ ٤٤٨ - ٤٤٩): فإن النعم نوعان: مستمرة، ومتحددة، فالمستمرة شكرًا لله عليها، وخضوعًا له، وذلًا في مقابلة فرحة النعم، وانبساط النفس لها وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الآشرين. فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره.
ونظير هذا السجود عند الآيات التي يخوف الله بها عباده كما في الحديث: «إذا رأيتم آية فاسجدوا».
أخرجه أبو داود رقم (١١٩٧) والترمذي رقم (٣٨٩١) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد فزع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند رؤية انكساف الشمس إلى الصلاة، وأمر بالفزع إلى ذكره «- أخرجه البخاري رقم (١٠٤٦) ومسلم رقم (٩٠١) ومعلوم أن آياته تعالى لم تزل مشاهدة معلومة بالحس والعقل، ولكن تجددها يحدث للنفس من الرهبة، والفزع إلى الله ما لا تحدثه الآيات المستمرة فتجدد هذه النعم في اقتضائها لسجود الشكر كتحدد تلك الآيات في اقتضائها للفزع إلى السجود والصلوات.
قال ابن القيم في «عدة الصابرين» (ص١٧٢ - ١٧٤): فإن قيل: فنعم الله دائمًا مستمرة على العبد فما الذي اقتضى تخصيص النعمة الحادثة بالشكر دون الدائمة وقد تكون المستدامة أعظم».
قيل: الجواب من وجوه:
١ - إن النعمة المتجددة تذكر بالمستدامة، والإنسان موكل بالأدنى.
٢ - إن هذه النعمة المتجددة تستدعي عبودية مجددة وكان أسسها على الإنسان وأحبها إلى الله السجود شكرًا له.
٣ - إن المتجددة لها وقع في النفوس والقلوب بها أعلق، ولهذا يهني بها ويعزي بفقدها.
٤ - إن حدوث النعم توجب فرح النفس وانبساطها، وكثيرًا ما يجر ذلك إلى الأشر والبطر، والسجود ذل لله وعبودية وخضوع.