للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النهي (١) عن الكلام، وبين حديث ذي اليدين مما قدمنا ذلك من الفرق بين كلام الساهي، والجاهل، والعامد. ومن عمل بحديث النهي عن الكلام واطرح حديث ذي اليدين فقد خالف إجماعين من إجماعات المسلمين: الإجماع [٤أ] الأول أنه قدم الترجيح على الجمع، والإجماع الثاني أنه لم يبن العام على الخاص، وهذا على فرض أن المتخلل بين التسليم الواقع سهوًا، وبين التكبير الواقع للبناء هو الصلاة، لا فرق بينه وبين أجزاء الصلاة التي بين تحريمها وتحليلها.

وأما لو قيل إن هذا الوقت الكائن بين التسليم سهوًا، وبين التكبير للبناء هو ولإن كان له حكم الصلاة لكن ليس كالصلاة من كل وجه، ولا يمتنع منه ما يمتنع من الصلاة، كما أنه لا يبطل الطواف بمبطلات الصلاة، مع أنه قد ورد أن الطائف في صلاة، وكما أنه لا يبطل ثواب منتظر الصلاة بفعل شيء مما يفسد الصلاة، مع أنه قد ورد أن منتظر الصلاة في صلاة، وحاصل هذا الوجه دعوى الفرق بين من كان مشتغلًا بأجزاء الصلاة الحقيقية الذكرية والركنية، وبين من لم يكن مشتغلًا بشيء من ذلك، بل كان خروجه سهوًا مسوغًا للبناء، فلو قيل بهذا الفرق لم يكن بعيدًا من الصواب، ولم يبق إشكال في الكلام الواقع منه- صلي الله عليه وآله وسلم- بعد التسليم سهوًا، وقبل التكبير مبنيًا، ولكنا هاهنا بنينا على تسليم الإشكال الذي أورده السائل- عافاه الله [٤ب]-، وعلى أنه لا فرق بين ذلك، وبين أجزاء الصلاة الحقيقية، فجمعنا بين الأحاديث الواردة في النهي عن الكلام على العموم، وفي تسويغه في بعض الأحيان، كما قدمنا تقريره.

فإن قلت: إذا كان حديث ذي اليدين على هذا التسليم والتقرير دالًا على أن كلام الساهي لا يفسد الصلاة، فما الدليل على أن كلام الجاهل لا يفسدها؟.

قلت: الدليل على ذلك حديث ذي اليدين نفسه؛ فإن الجماعة الذين كلموا


(١) تقدم تخريجه قريبًا.