للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالوا: إن الأمر أنف (١) فتبرءوا منه، وبينوا ضلالته، وبطلان مقالته للناس، فحذروه إلا من ختم الله على قلبه، وجعل على بصره غشاوة.

وهكذا كان من بعدهم، يوضح للناس بطلان أقوال أهل الضلال، ويحذرهم منها، كما فعله التابعون- رحمهم الله- بالجعد بن درهم (٢)، ومن قال بقوله، وانتحل نحلته الباطلة


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (١/ ٣٦ - ٣٧ رقم ١/ ٨) عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني. فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر. فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أنا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفزون العلم. وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.
إنما الأمر أنف: أي مستأنف استئنافا من غير أن يكون سبق به سابق قضاء وتقدير، وإنما هو مقصور على اختيارك ودخولك فيه.
النهاية (١/ ٧٥). ولسان العرب (١/ ٢٣٨).
(٢) الجعد بن درهم، عداده في التابعين، مبتدع ضال. زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، والقصة مشهورة.
" وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة ":
منها: أنه جعل قارورة ترابا وماء فاستحال دودا وهوام، فقال: أنا خلقت هذا لأنني كنت سبب كونه فبلغ ذلك جعفر بن محمد، فقال: ليقل كم هو- وكم الذكران منه والإناث- إن كان خلقه، وليأمر الذي يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره، فبلغه ذلك فرجع " اهـ.
ولما ظهر قول الجعد بخلق القرآن تطلبه بنو أمية فهرب منهم فسكن الكوفة فلقيه فيها الجهم بن صفوان فتقلد هذا القول عنه ولم يكن له كثير أتباع غيره.
ثم يسر الله تعالى قتل الجعد على يد خالد بن عبد الله القسري الأمير، قتله يوم عيد الأضحى بالكوفة، وذلك لأن خالدا خطب الناس فقال في خطبته تلك: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.
أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " رقم (٣) و" التاريخ الكبير " (١/ ٦٤) والدارمي في الرد على الجهمية. ص٧، ١٣ وفي " الرد على المريسي " ص ١١٨. والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٢٥٤، وفي "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٠٥ - ٢٠٦) والآجري في الشريعة (ص ٩٧، ٣٢٨).
وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن حبيب.
وقال الألباني في " مختصر العلو ": لكنه يتقوى بالذي بعده، فإن إسناد خبر منه ولعله لذلك جزم العلماء بهذه القصة.
انظر البداية والنهاية لابن كثير (٩/ ٣٦٤ - ٣٦٥). الميزان (١/ ٣٩٩ رقم ١٤٨٢) ولسان الميزان (٢/ ١٠٥).