للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن مثل ذلك لا يحسن، وليس في قراءة المؤتم خلف إمامه سرا مخالجة البتة. ولم يرد النهي عنه في شيء من السنة، فلا وجه حينئذ (١) لجعل ذلك دليلا على ترك القراءة في السرية مطلقا، أو تركها إلا بفاتحة الكتاب. بل يقرأ المؤتم خلف إمامه في صلاة السر بما أراد، لكن قراءة مسرورا غير مجهورة.

وأما الصلاة المجهورة التي ورد النهي عن القراءة فيها إلا بفاتحة الكتاب (٢) فلا يقرأ بشيء إلا مخصصه الدليل، ومن جملة ما خصه الدليل فاتحة الكتاب تخصيصا متصلا خارجا من مخارج صحيحة، وحسنة. وقد تقر ان بناء العام على الخاص [٢أ] مجمع عليه (٣)، وذلك لا يستلزم الإجماع على أنه لا بد للمؤتم من قراءة فاتحة الكتاب خلف إمامه في الجهرية، ومن قال من اهل العلم بأنه لا يقرأ أبدا مع كونه ممن يقول بهذا الأصل


(١) قال القرطبي في "المفهم " (٢: قوله: "قد علمت أن بعضكم خالجنيها" أي: خالطنيها، ويروى: "نازعنيها" أي كأنه نزع ذلك من لسانه وهو مثل حديثه الآخر: "مالي أنازع القرآن" ولاحجة فيه لمنكري القراءة، لأن النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، إنما أنكر المخالجة لا القراءة.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٢ - ٢٨٦): في هذا الحديث القراءة في صلاة الظهر والعصر، وقد جاء في هذا الحديث من أكثر الطرق "صلاة الظهر" بغير شك، وقد يحتج به من يمنع القراءة جملة خلف الإمام. ولا حجة له فيه لأنه لم ينهى عنه وإنما أنكر مجاذبته للسورة، فقال: " قد علمت أن بعضكم خالجنيها" ولم ينههم عن القراءة كما نهاهم في صلاة الجهر، وأمرهم بالإنصات، وإنما ينصت لما يسمع بل في هذا الحديث حجة أنهم كانوا يقرؤون خلفه، ولعل إنكار النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كان لجهر الآحر عليه فيها أو ببعضها حين خلط عليه لقوله: "خالجنيها" وقد اختلفت الآثار في قراءة النبي_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فيهما، والصحيح والأكثر قراءته فيهما وهو قول الجمهور من السلف والعلماء وإنما روى تركه القراءة عن ابن عباس وقد روى عنه خلافه.
وفيه قراءة المأموم فيما أسر فيه إمامه، وأن نهي النبي _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إنما هو لمنازعته السورة التي قرأ بها لقوله: "خالخنيها" وأن نهيه أن يقرأ معه إنما كان فيما جهر فيه كما جاء في الحديث مفسرا. ... ".
(٢) تقدم ذلك.
(٣) انظر"البحر المحيط" (٣ - ٤١٠) للزركشي.