للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد عرفت أن حمل المطلق على المقيد قاعده مقررة في الأصول (١)، مدلول عليها بما تقتضيه لغة العرب من ذلك، على أن هذا الدفع من أصله غير وارد، ولا يصح الاستدلال به على توجه النهي إلى مطلق القراءة، لأن قوله: "أقرأ به في نفسك" (٢) ليس فيه إلا إسرار المؤتم لقراءة الفاتحة خلف إمامه (٣)، وذلك لا يدل على ما استدلوا به عليه [٢ب] من توجه النهي إلى مطلق القراءة، وباينه أن توجه النهي إلى مطلق القراءة كما قال يستلزم أن يكون الاستثناء للفاتحه على الطريقة التي كان النهي عليها كما هو شأن الاستثناء، وذلك يقتضي أن يجوز الجهر بها كما يجوز الإسرار بها. فأنس بن مالك أفتى بأحد الجائزين المفهومين من المستثني منه والمستثني، فإنك إذا قلت: أكرم القوم إلا بني فلان كان هذا التركيب دالا على إكرام كل القوم على أي صفة كانوا، وعلى أي حال من أحوالهم صاروا وعدم إكرام بني فلان على أي صفة كانوا، وعلى أي حال من أحوالهم صاروا، لما تقرر من دلالة العام على ما لا بد منه من الأزمنة والأوصاف والأحوال كما يفيد عموم الأشخاص، فهذا تقرير الدليل الذي استدل به ذلك البعض على ماقالوا، وفيه من القوة ما تراه، وإن كنت لا أوافقهم في ذلك لأمرين:


(١) انظر "البحر المحيط " (٣ - ٤١٢) للزركشي.
(٢) تقدم تخريجه من حديث أبي هريرة.
(٣) قال القرطبي في "المفهم" (٢): واختلف العلماء في القراءة في الصلاة: فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفز في كل ركعة وهو مشهور، قول مالك، وعنه أيضًا أنها واجبه في جل الصلاة وهو قول إسحاك وعنه. أنها تجب في ركعة واحدة وقاله المغيرة والحسن وعنه: أن القراءة لا تجب في شيئا من الصلاة وهو أشذ الروايات.
وحكى عنه: أنها تجب في نصف الصلاة. وإليه ذهب الأوزاعي؛ وذهب الأوزاعي أيضا، وأبو أيوب وغيرهم إلى أنها تجب على الإمام، والفذ والمأموم على كل حال، وهو أحد قولي الشافعي.