للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصفات، وما كان من المتكلمين فيها بغير الحق، المتكلف علم ما لم يأذن الله بأن يعلموه، وبيان أن إمرار أدلة الصفات على ظاهرها هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وأن كل من أراد من نزاع المتكلفين، وشذاذ المحدثين، والمتأولين أن يظهر ما يخالف المرور على ذلك الظاهر، قاموا عليه، وحذروا الناس منه، وبينوا لهم أنه على خلاف ما عليه أهل الإسلام.

فصار المبتدعون في الصفات، القائلون بأقوال تخالف ما عليه السواد الأعظم من الصحابة والتابعين وتابعيهم في خبايا وزوايا لا يتصل بهم إلا مغرور، ولا ينخدع بزخارف أقوالهم إلا مخدوع، وهم مع ذلك على تخوف من أهل الإسلام، وترقب لتزول مكروه بهم من حماة الدين، من العلماء الهادين، والرؤساء والسلاطين، حتى نجم ناجم المحنة، وبرق بارق الشر من جهة الدولة (١)، ومن لهم في الأمر والنهي والإصدار والإيراد أعظم صولة، وذلك في الدولة بسبب قاضيها أحمد بن أبي دؤاد (٢).


(١) في عهد الدولة العباسية كانت محنة القول بخلق القرآن، التي ثبت فيها علماء الأمة أمام زخم البدعة فأيد الله بهم هذا الدين.
انظر: " مناقب الإمام أحمد بن حنبل " للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ص ٣٨٧ - ٤٢٠.
(٢) أحمد بن أبي دؤاد بن جرير، أبو عبد الله القاضي الأيادي. يقال إن اسم أبي دؤاد: الفرج ... والصحيح أن اسمه كنيته. ولي ابن أبي دؤاد قضاء القضاة للمعتصم، ثم للواثق، وكان موصوفا بالجود والسخاء، وحسن الخلق، ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على الامتحان بخلق القرآن.
قال الحسن بن ثواب: قال: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول: القرآن مخلوق؟ قال: كافر. قلت: فابن دؤاد؟ قال كافر بالله العظيم. قلت. بماذا كفر؟ قال: بكتاب الله تعالى، قال الله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءكم بعد الذي جاءك من العلم) فالقرآن من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
وقال عبد العزيز بن يحيى المكي: دخلت على أحمد بن دؤاد وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائدا، ولكن جئت أحمد الله على أنه سجنك في جلدك.
ولد أحمد بن أبي دؤاد سنة ستين ومائة بالبصرة، ومات في المحرم سنة أربعين ومائتين يوم السبت لسبع بقين منه، ودفن في داره ببغداد وصلى عليه ابنه العباس.
انظر: تاريخ بغداد (٤/ ١٤١ - ١٥٦ رقم ١٨٢٥).