للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعند ذلك أطلع المنكمشون [٢ب] في تلك الزوايا رءوسهم، وانطلق ما كان قد خرس من ألسنتهم، وأعلنوا بمذاهبهم الزائفة، وبدعهم المضلة، ودعوا الناس إليها، وجادلوا عنها، وناضلوا المخالفين لها حتى اختلط المعروف بالمنكر، واشتبه على العامة الحق بالباطل، والسنة بالبدعة.

ولما كان الله سبحانه قد تكفل بإظهار دينه على الدين كله (١)، وبحفظه عن التحريف (٢)، والتغيير والتبديل، أوجد من علماء الكتاب والسنة في كل عصر من العصور من يبين للناس دينهم، وينكر على أهل البدع بدعهم، فكان لهم- ولله الحمد- المقامات المحمودة، والمواقف المشهودة في نصر الدين، وهتك المبتدعين.

وبهذا الكلام القليل الذي ذكرنا، وتعرف أن مذهب السلف (٣) من الصحابة [رضي الله عنهم]


(١) قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة: ٣٣].
(٢) قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: ٩]
(٣) يقوم على دعائم أربع:
١ - ) الإثبات المفصل المجمل لكل صفة كما ورد بها النص، فيتحقق بهذا قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) [الأعراف: ١٨٠] وقوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى) [الإسراء: ١١٠].
وقد تضمنت هذه الدعامة الإيمان بكل صفة لله تعالى كما وردت في الكتاب والسنة.
٢ - ) الدعامة الثانية: التنزيه، وعدم التكييف والتشبيه. فيتحقق بهذا قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: ١١].
وقوله تعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) [الصافات: ١٨٠] ولذلك تضمنت هذه الدعامة تنزيه صفات الرب تعالى عن مشابهة صفات خلقه.
٣ - ) الدعامة الثالثة: عدم التأويل المفضي إلى التعطيل. فيتحقق بهذا قوله تعالى: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: ١٨٠].
والتعطيل: إلحاد في أسماء الله وصفاته.
وقد تضمنت هذه الدعامة إثبات كل صفة على الحقيقة كما ورد بها النص من غير صرف له إلى معنى آخر غير ظاهر.
٤ - ) الدعامة الرابعة: العلم بالله تعالى والمعرفة به من خلال صفاته فيتحقق بهذا قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص:٢٩].
وقد تضمنت هذه الدعامة أن السلف كانوا يعلمون معاني الصفات ويفرقون بينها بحسب ما دلت عليه مما تعرفه العرب من لسانها فالعلم غير الحياة، والإتيان غير الاستواء على العرش، واليد غير الوجه، وهكذا سائر الصفات.
انظر: "الرسالة في اعتقاد أهل السنة " ص ٣ - ٤ و" مجموع الفتاوى " (٦/ ٥١٨).