للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في المسجد، أو بين يدي رجل من عباد الله لا يدري ما يقف عليه منه، بل في إنتظار ملاقاته قدر قراءة طولي الطوليين، فلا يمل ويرغب عن من لا يضيع لديه عمل عامل.

وقد أنكر السلف على مروان قراءته في المغرب بقصارقصار المفصل (١)، وكذلك الرجل الذي اعتاد قراءة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) انكر عليه أصحابه وشكوه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فقال له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "ما يمنعك وما يحملك" (٢) فأجابه بقوله: إني أحبها. قال ابن المنير (٣): في الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل، لأنه لو قال إنه لا يحفظ غيرها لأمره يتحفظ، لكنه اعتل بحبها فصوبه لصحة قصده. وقد قيل إنما كان يقررها في صلاة الليل دون الفرائض، وصار الناس يلتزمون قراءتها في الثانية، لا لمقصد، بل لو قصدوا ما أراده لم يكن لهم ما جزم به للرجل جزما لعدم المشاركة في العلة، والابتداء بالقصد كما وقع في حق خزيمة (٤)


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٧٦٤) حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عروت ابن الزبير عن مروان بن الحكم قال: "قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار، وقد سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بطوليه الطوليين".
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦١٠٦) ومسلم رقم (١٧٨) من حديث جابر.
وأخرجه البخاري رقم (٧٧٤) والترمذي رقم (٢٦٠١) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. من حديث أنس.
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (٧٣٧٥) من حديث عائشة.
(٣) ذكره الحافظ في "الفتح" (٢) وإليك النص كاملا.
قال ناصر الدين بن المنير: "في هذا الحديث أن المقاصد تغير أحكام الفعل لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها، لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه قال: وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره. وفيه ما يشعر بأن سورة الإخلاص مكيه. .. ".
(٤) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (٣٦٠٧) والنسائي (٧) رقم (٤٦٤٧) عن عمارة ابن خزيمة، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشرعون أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، وقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين سمع نداء الأعرابي، فقال: "أو ليس قد ابتعته منك؟ " فقال الأعرابي: لا والله ما بعتكه! فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بل قد ابتعته منك " فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا! فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على خزيمة، فقال: " بم تشهد" فقال: بتصديقك يارسول الله! فجعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهادة خزيمة بشهادة رجلين. وهو حديث صحيح.