للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقول: إن هذا الذي صرح بهذا لا ينبغي أن يعد من أهل العلم، لأنه خفي عليه شيء هو أوضح من شمس النهار، وبيان ما ذكرناه من وجوه:

الأول: أن كل عارف وإن قل عرفانه يعلم أن هذا الترتيب الواقع في المصحف ليس على حسب التقدم والتأخر في النزول، فقد ثبت أن أول (١) ما نزل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وبعدها (٢): (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وكان آخر (٣) ما نزل أو من آخر ما نزل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وليس التلاوة مقيدة على حسب الترتيب الذي وقع في المصحف، بل ولا على حسب النزول، فللإنسان أن يتلو من أي مكان شاء في الصلاة وغيرها، ويختار في كل ركعة ما يريد.

الوجه الثاني: حديث الذي كان يفتتح في صلاته بقراءة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فقرره (٤) - النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مع كونه كان يؤم بأهل مسجده. أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، والبخاري تعليقا، والبزار، والبيهقي، والطبراني من حديث أنس. وهذا ظاهر


(١) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٤٩٥٦).
من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أول ما بدئ به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرؤيا الصادقة، جائه الملك فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ).
وانظر "تفسير ابن كثير" (٨).
(٢) قال ابن كثير في تفسيره (٨) ثبت في صحيح البخاري رقم (٤٩٢٢) من حديث جابر أنه كان يقول: أول شيء نزل من القرآن: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
(٣) انظر "أسباب النزول" للواحدي (ص١٩٠).
(٤) تقدم تخريجه.