وأرح نفسك من تلك العبارات التي جاء بها المتكلمون، واصطلحوا عليها، وجعلوها أصلا يرد إليه كتاب الله وسنة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن وافقها فقد وافقا الأصول المتقررة في زعمهم، وإن خالفا الأصول المتقررة في زعمهم، ويجعلون الموافق لها من قسم المقبول والمحكم، والمخالف لها من قسم المردود والمتشابه، ولو جئت بألف آية واضحة الدلالة، ظاهرة المعنى، أو ألف حديث مما ثبت في الصحيح لم يبالوا به، ولا رفعوا إليه رءوسهم، ولا عدوه شيئا.
ومن كان منكرا لهذا، فعليه بكتب هذه الطوائف المصنفة في علم الكلام، فإنه سيقف على الحقيقة، ويسلم هذه الجملة، ولا يتردد فيها.
ومن العجب العجيب والنبأ الغريب أن تلك العبارات الصادرة عن جماعة من أهل الكلام، التي جعلها من بعدهم أصولا- لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل، والفرية على الفطرة، وكل فرد من أفرادها قد تنازعت فيه عقولهم، وتخالفت عنده إدراكاتهم، فهذا يقول: حكم العقل في هذا الكلام كذا، وهذا يقول: حكم العقل في هذا كذا، ثم يأتي بعدهم من يجعل ذلك الذي يعقله من تقلده ويقتدي به، أصلا يرجع إليه، ومعيارا لكلام الله [تعالى] وكلام رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبل منهما ما وافقه