فيا لله، ويا للمسلمين، ويا لعلماء الدين من هذه الفواقر [٣ب] الموحشة التي لم يصب الإسلام وأهله بمثلها.
وأعزب من هذا وأعجب، وأشنع وأفظع أنهم بعد أن جعلوا هذه التعقلات التي تعقلوها، على اختلافهم فيها وتناقضهم في معقولاتها، أصولا ترد إليها أدلة الكتاب والسنة، جعلوها أيضًا معيارا لصفات الرب تعالى، فما تعقله هذا من صفات الله قال به جزما، وما تعقله خصمه منها قطع به، فأثبتوا لله- عز وجل- الشيء ونقيضه، استدلالا بما حكمت به في صفات الله عقولهم الفاسدة، وتناقضت في شأنه، ولم يلتفتوا إلى ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، بل إن وجدوا ذلك موافقا لما تعقلوه جعلوه مؤيدا له ومقويا، وقالوا: قد ورد دليل السمع مطابقا لدليل العقل. وإن وجدوه مخالفا لما تعقلوه جعلوه واردا على خلاف الأصل، ومتشابها وغير معقول المعنى، ولا ظاهر الدلالة.
ثم قابلهم المخالف لهم بنقيض قولهم، فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلاف ما تعقله خصمه، وجعل ذلك أصلا يرد إليه أدلة الكتاب والسنة، وجعل المتشابه عند أولئك محكما عنده، والمخالف لدليل العقل عندهم موافقا له عنده، فكان حاصل كلام هؤلاء أنهم يعلمون من صفات الله ما لا يعلمه، وكفاك بهذا، وليس بعده شيء، وعنده يتعثر القلم حياء من الله- عز وجل-.
وربما استبعد هذا مستبعد، واستكثره مستكثر، وقال: إن في كلامي هذا مبالغة وتهويلا وتشنيعا وتطويلا، وإن الأمر أيسر من أن يكون حاصله هذا الحاصل، وثمرته مثل هذه الثمرة التي أشرت إليها.
فأقول: خذ جملة البلوى، ودع تفصيلها، واسمع ما يصك سمعك، ولولا هذا الإلحاح منك ما سمعته، ولا جرى القلم بمثله.