للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه إلا ما يعلمه هذا المدعي، فهو إما مصاب العقل، يهذي بما لا يدري، ويتكلم بما لا يفهم، أو كاذب شديد الكذب، عظيم الافتراء، فإن هذا أمر لا يعلمه غير الله - سبحانه-، فهو الذي يحول بين المرء وقلبه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وما يسر عباده وما يعلنون، وما يظهرون وما يكتمون كما أخبرنا بذلك في كتابه (١) العزيز في غير موضع.

فقد خاب وخسر من أثبت لنفسه من العلم ما لا يعلمه إلا الله من عباده، فما ظنك بمن جاوز هذا وتعداه، وأقسم بالله [سبحانه] أن الله لا يعلم من نفسه إلا ما يعلمه هو؟! ولا يصح لنا أن نحمله على اختلال العقل، فلو كان مجنونا لم يكن رأسا يقتدي بقوله جماعات من أهل عصره، وممن جاء بعده وينقلون كلامه في الدفاتر، ويحكون عنه في مقامات الاختلاف.

ولعل أتباع هذا ومن يقتدي بمذهبه لو قال لهم قائل وأورد عليهم مورد قول الله -عز وجل- {ولا يحيطون به علما} (٢)، وقوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} (٣)، وقال لهم: هذا يرد ما قاله صاحبهم، ويدل على أن يمينه هذه فاجرة مفتراة، لقالوا: هذا ونحوه مما يدل دلالته، ويفيد مفاده، هو من المتشابه


(١) (منها): قوله تعالى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) [ق:١٦].
وقوله تعالى: (أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) [البقرة: ٧٧].
وقوله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام: ٣].
وقوله تعالى: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) [طه: ٧].
(٢) [طه: ١١٠]
(٣) [البقرة: ٢٥٥]