للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوارد على خلاف دليل العقل، المدفوع بالأصول المقررة.

وبالجملة، فإطالة ذيول الكلام في مثل هذا المقام إضاعة للأوقات، واشتغال بحكاية الخرافات المبكيات، لا المضحكات. وليس مقصودنا هاهنا إلا إرشاد السائل إلى أن المذهب الحق في الصفات هو إمرارها على ظاهرها من غير تأويل، ولا تحريف، ولا تكلف، ولا تعسف، ولا جبر، ولا تشبيه، ولا تعطيل [٤ب] وأن ذلك هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم.

فإن قلت: ماذا تريد بالتعطيل في مثل هذه العبارات التي تكررها؟ فإن أهل المذاهب الإسلامية يتنزهون عن ذلك، ويتحاشون عنه، ولا يصدق معناه، ولا يوجد مدلوله إلا في طائفة من طوائف الكفار، وهم المنكرون للصانع؟.

قلت: يا هذا، إن كنت ممن له إلمام بعلم الكلام الذي اصطلح عليه طوائف من أهل الإسلام، فإنه لا محالة قد رأيت ما يقوله كثير منهم، ويذكرونه في مؤلفاتهم، ويحكونه عن أكابرهم، أن الله- سبحانه وتعالى، وتنزه وتقدس- لا هو جسم، ولا جوهر، ولا عرض، ولا داخل العالم ولا خارجه (١).

فأنشدك الله، أي عبارة تبلغ مبلغ هذه العبارة في النفي؟! وأي مبالغة في الدلالة على هذا النفي تقوم مقام هذه المبالغة؟!

فكأن هؤلاء في فرارهم من شبهة التشبيه إلى هذا التعطيل كما قال القائل:

فكنت كالساعي إلى مثعب ... موائلا من سبل الراعد (٢)

أو كالمستجير من الرمضاء (٣) بالنار، والهارب من لسعة الزنبور إلى لدغة الحية، ومن


(١) انظر رد ابن تيمية على هؤلاء في منهاج السنة (٢/ ١٣٠ - وما بعدها). الأسماء والصفات (١/ ٣٨ - ٤٠) لابن تيمية وتلبيس الجهمية (١/ ٨٩).
(٢) المثعب: مسيل الماء في الوادي. الموائل: طالب النجاة. وهو مثل يضرب لمن يهرب من الشيء فيقع بما هو أشد منه.
(٣) يضرب في الخلتين من الإساءة تجتمعان على الرجل.