للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان عمار بن ياسر، والذي يبذه حزيفة، وهو مرفوع، ولكن فيه مجهول والأول أقوى كما قال الحافظ (١). وأخرج الدارقطني (٢) من حديث ابن مسعود قال: نها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه، يعني أسفل منه.

وقد أورده الحافظ في التلخيص (٣)، ولم يتكلم عليه. ولا يخفى أن قول أبي مسعود في الحديث الأول أنهم كانوا ينهون عن ذلك، وقد بينه حديثه الآخر أن الذي نها عن ذلك هو النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وكذلك بينته رواية الحاكم التي أشرنا إليها، ومعنى النهي حقيقة التحريم المرادف للفساد كما هو المذهب الحق في الأصول (٤)، فيكون ارتفاع الإمام على المؤتم ممنوعا من غير فرق بين قدر القامة ودونها وفوقها، وسواء كان في المسجد، أو في غيره ولكنه قد ثبت في الصحيحين (٥) وغيرهما (٦) من حديث سهل


(١) في "التلخيص" (٢).
(٢) في "السنن" رقم (٢).
(٣) في"التلخيص" (٢).
(٤) انظر"الكوكب المنير" (١)، "تيسير التحرير" (٢). و (١ - ٤٧٥).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٧٧) [وأطرافه: (٤٤٨، ٩١٧، ٢٠٩٤، ٢٥٦٩)] ومسلم رقم (٥٤٤).
(٦) كأحمد (٥) وأبو داود رقم (١٠٨٠) والنسائي (٢) وابن ماجه رقم (١٤١٦).
قال القرطبي في "المفهم" (٢) استدل أحمد بن حنبل بصلاة النبي على المنبر، على جواز صلاة الإمام على موضع أرفع من موضع المأموم، ومالك يمنع ذلك في الارتفاع الكثير دون اليسير، وعلل المنع: بخوف الكبر على الإمام، واعتزر بعض أصحابه عن الحديث: بأن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معصوم عن الكبر ومنهم من علله، بأن ارتفاع المنبي كان يسير.
وقال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (٥ - ٣٤): قالوا العلماء كان المنبر الكريم كما صرح مسلم في روايته رقم (٤٤) فنزل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخطوتين إلى أصل المنبر ثم سجد في جنبه ففيه فوائد منها:
استحباب اتخاذ المنبر. استحباب قول الخطيب ونحوه على مرتفع كمنبر أوغيره. جواز الفعل اليسير في الصلاة فإن الخطوتين لا تبطل بهما الصلاة ولكن الأولى تركه إلا لحاجة فإن كان لحاجة فلا كراهة فيه كما فعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه أن الفعل الكثير كالخطوات وغيرها إذا تفرق لا تبطل لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة ولكن أفراده المتفرقه كل واحد منها قليل. وفيه جواز صلاة الإمام على موضع أعلى من موضع المأمومين ولكنه يكره ارتفاع الإمام على المأموم وارتفاع المأموم على الإمام لغير حاجة فإن كان لحاجة بأن أراد تعليمهم أفعال الصلاة لم يكره بل يستحب لهذا الحديث، وكذا إن أراد المأموم إعلام المأمومين بصلاة الإمام واحتاج إلى الارتفاع وفيه تعليم الغمام المأمومين أفعال الصلاة وأنه لا يقدح ذلك في صلاته وليس ذلك من باب التشريك في العبادة بل هو كرفع صوته بالتكبير ليسمعهم. قال الحافظ في "الفتح" (١): والغرض من إيراد هذا الحديث في هذا الباب - رقم ١٨ - الصلاة في السطوح والمنبر والخشب: جواز الصلاة على المنبر. جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل وصرح المصنف في حكايته عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حنبل، ولا بن دقيق العيد في ذلك بحث. فإنه قال: من أراده أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم، لأن اللفظ لا يتناوله. ولا نفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه. وفيه دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة. ..