للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا بين ما يستلزمان من اعتقاد العامي مما لا يجوز.

ومنها: علم الكلام، فإن فيه من الشبه والأقوال الباطلة ما لم يكن في غيره من العلوم، حتى أن أهله يحكون فيه أقوال اليهود والنصارى، ومذاهب المعطلة والملحدة، والزنادقة. وقراءتها في المساجد مكانه لحضور العامة المستلزم لا عتقاده مذهبا كفريا، فالتخرج من قراءتها في المساجد أولى من التحرج من قراءة السنة فيها، التي هي أقولا المصطفي، وبيان أفعاله، وهكذا علم أصول الفقه؛ فإنه لا يخلوا عن مباحث إذا سمعها العامي واعتقدها وقع فيما لا يحل، كما يقع بين علمائه من المراجعات في علل القياس، وما فيها من الأمثلة التي لا يراد منها حقيقتها، وإيراد مبطلاتها من المنع، والنقض، والكسر، والقدح، والمعارضة، وغيرها.

وكذلك ما في مقدماته من المسائل التي هي أمهات علم الكلام، ومنها علم المنطق، وعلم الرياضي، وعلم الإلهي، وعلم الطبيعي، فإن المفسدة في سماع العامي لهذه العلوم أشد من المفسدة في سماع ما تقدم من غيرها. الأمر الخامس: أن الأدلة الدالة على وجوب تبليغ الأحكام على علماء هذه الأمة قاضية بوجوب مطلق التبليغ (١) من غير قرق بين عامة المسلمين وخاصتهم، ولا سيما وقد


(١) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٣٤٦١) عن عبد الله بن عمرو قال أن رسول الله قال: " بلغوا عني ولو آية وحدثوا ن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
وأخرج البخاري في صحيحه (١/ ١٩٤معلقا الباب رقم ٣٤) كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر ابن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاكتبه فإني حفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا.
وقد حث - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على طلب العلم وحضور مجالسه:
أخرج البخاري في صحيحه رقم (٦٦) ومسلم رقم (٢١٧٦) عن أبي واقد الليثي أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذا أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة، فجلس فيها وأما الآخر، فجلس خلفهم، وأما الثالث، فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله وأما الآخر، فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ".
قال القرطبي في المفهم (٥/ ٥٠٨): فقيه: الحض على مجالسة العلماء ومداخلتهم، والكون معهم، فإنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم. وفيه: التحلق لسماع العلم في المساجد حول العالم، والحض على سد خلل الحلقة، لأن القرب من العالم أولى، لما يحصل من ذلك نم حسن الاستماع والحفظ، والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة يتم الصف الأول فإن كان نقص ففي المؤخر. قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وقال تعالى: (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
قال ابن حجر في الفتح: (١/ ١٤١): يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم ورفعه الدرجات تدل على الفضل، إذ المراد به كثرة الثواب. وبها ترتفع الدرجات، ورفعنها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة. وقوله تعالى: (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله لم يأمر نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم. والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه.
وقال البخاري في صحيحه (١/ ١٥٩ - ١٦٠) الباب رقم (١٠): العلم قبول القول والعمل، لقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ): فبدأ بالعلم، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحط وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله به طريقا إلى الجنة وقال سبحانه وتعالى: (يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وقال سبحانه: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)، (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وقال سبحانه: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " من يرد الله به خيرا يفقهه " " وإنما العلم بالتعلم. .... ".