وما كان مؤولا، أو منسوخا، أو ضعيفا، أو مخصصا، أو مقيدا، أو لا يدعهم يتمسكون بما لا يحل التمسك به، لأن المفروض أن المحدث المذكور متأهل لذلك، وأنه قد بلغ إلى رتبة يصلح عندها للتحديث وأما إذا كان غير متأهل لبيان ما ذكرنا فإنما هو وهم كما قال الشاعر:
كبهيمة عمياء قاد زمامها ... أعمى على عوج الطريق الجائر
الأمر الثالث: من الأدلة الدالة على جواز إملاء الحديث بمحضر من العامة هو أنا نعلم قطعا أن القرآن الكريم مشتمل على آيات في الصفات، وأحكام متشابهات، مثل ما اشتملت عليه السنة من ذلك أو أكثر، فلو كان استماعهم للحديث لا يجوز لتلك العلة لكان استماعهم للقرآن وتعليمهم إياه لا يجوز، لأن العلة واحدة، وهو خرق لإجماع المسلمين، فإنهم مازالوا يعلمون صبيانهم كتاب الله العزيز، وهم مع كونهم في سن الصبا خالين عن المعارف العلمية هم أيضًا خالون عن كمال العقل الذي له مدخل في الفهم والتمييز، فهل يلتزم السائل - أرشده الله - مثل هذا اللازم الباطل بإجماع المسلمين.
والأمر الرابع: أن جعل سماع العامة مانعا من قراءة كتب السنة في المساجد فيلزم تعطيل المساجد عن كثير من العلوم، منها القرآن وعلومه لما تقدم، ومنها [٢] علم الفقه الذي هو عمدة المسلمين في جميع الأقطار وذلك لأن فيه الرخص التي تلحق المتتبع لها بالمتزندقين، فقراءته في المساجد مع حضور العامة مظنة لعملهم بتلك الرخص كما أن قراءة كتب السنة مظنة لعملهم بما يسمعونه مما لا يجوز العمل به. ولا فرق بين المظنتين،