للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ولم تحفظ هذه الزيادة إلا من طريق زيد بن عياض، وهو متروك، فبطلت دعوى ابن عدي - والله أعلم -. وإن حملت السجدة على ما هي عليه برواية البخاري (١) فهي إذا محفوظة. ولا يخفي ما في كلام العراقي من التكلف والتحمل، وإن قال آخرا: وفيه نظر تتمة للبحث، فقد تقرر في الأصول أن الفعل إذا كان بيانا لواجب مجمل وجب. والخطبة من بيان المجمل المأمور به في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) الآية. ولا شك أن الخطبة من ذكر الله، وقصر الذكر على الصلاة محتاج إلى دليل قاهر، ومما يزيد ذلك ما قال القاضي زيد في وجه قول يحيى - عليه السلام -، وهو ما روي عن عمر- رضي الله عنه - أنه قال: " إنما جعلت الخطبة مكان ركعتين، من لم يدرك الخطبة فليصل أربعا " ولم يؤثر خلافه عن أحد من الصحابة، فوجب أن يجري مجرى الإجماع في كون حجة. فإن قيل هذا يحتاج إلى إخراجه من الكتب المشهورة، قيل له: رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في المصنف (٢) من رواية يحيى بن


(١) في صحيحه في رقم (٥٥٦) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته.
قال الخطابي: المراد بالسجدة: الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها بسجودها فسميت على هذا المعنى سجدة. . "، " فتح الباري " (٢/ ٥٨).
(٢) (٢).
بين يدي الرسالة:
قال الشافعي: ومن أدرك مع الإمام ركعة بسجدتين أتمها جمعة، وإن ترك سجدة فلم يدر أمن التي أدرك أم الأخرى، حسبها ركعة وأتمها ظهرا.
انظر: " مختصر المزني " (ص ٢٧).
وقال الماوردي في " الحاوي " (٣ - ٥١): إذا أدرك مع الإمام ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك بها الجمعة، فيأتي ركعة أخرى وقد تمت صلاته. وإن أدرك أقل من ركعة، لم يكن مدركا للجمعة، وأتمها ظهرا أربعا هذا مذهبنا وبه قال الصحابة: ابن مسعود، وابن عمر، وأنس بن مالك، ومن الفقهاء: الزهري، والثوري، مالك، وأحمد، وزفر، ومحمد بن الحسن. وذكر عن عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول: أنه لا يكون مدركا للجمعة إلا بإدرالك الخطبة والصلاة، به قال من الصحابة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
قال الماوردي: والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه: ما وراه ياسين بن معاذ عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة ومن أدرك أقل منه صلاها ظهرا ". تقدم مناقشة في الرسالة التي بين يديك. وكل ما ورد بلفظ: الجمعة، هو ضعيف، والله أعلم. وروى ابن شهاب الزهري، عن سعيد المقيري، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا أدرك أحدكم ركعتين يوم الجمعة فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك ركعة فليضف إليها أخرى، وإن لم يدرك ركعة فليصل أربعا ". ولأنه لم يدرك من الجمعة ما يعتد به فوجب أن لا يكون مدركا للجمعة، أصله؛ الإمام إذا انفضوا عنه قيل أن يصلى ركعة وقال أبو حنيفة، وهو أحد أقوالنا: بيني على الظهر. وأما الجواب عن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وما فاتكم فاقضوا " تقدم تخريجه، فهو: أن يقال: وقد روي: " وما فاتكم فأتموا " فإن كان القضاء حجة علينا فالتمام حجة عليكم، فيسقطان جميعا، أو يستعملان معا، فيكون معنى قوله: " فاقضوا " إذا أدركوا ركعة، " وأتموا ": إذا أدركوا دون الركعة. وأما قياسهم على الركعة، فالمعنى في إدرك الركعة: أنها مما يعتد به وأما قياسهم على صلاة المسافر خلف المقيم، ففيه جوابان: أحدهما: أن التمام خلف المقيم لا يفتقر إلى الجماعة فلم يعتبر فيه إدرك ما يعتد به في جماعة، والجمعة من شرطها الجماعة، فاعتبر في إدراكها إدراك ما يعتد به جماعة. الثاني: أن المسافر خلف المقيم ينتقل من إسقاط إلى إيجاب، ومن إيجاب إلى إسقاط، ومن كمال إلى نقصان، فلم ينتقل إلا بشيء كامل، فسقط ما قالوا ". ثم قال: فإذا تقرر أن إدراك الجمعة يكون بركعة، فلا فرق بين أن يدركه قارئا في قيام الثانية، أو راكعا فيها، في أنه يكون مدركا لركعة يدرك بها الجمعة. فأما إن أدكه رافعا من ركوع الثانية فهو غير مدرك للجمعة، ولا يعتد له بهذه الركعة، فإذا سلم الإمام صلى ظهرا أربعا. فلو أدرك ركعة مع الإمام، وقام فأتي بركعة بعد سلام الإمام صلى ظهرا أربعا ثم قال: فلو أدرك ركعة مع الإمام، وقام فأتى بركعة بعد سلام الإمام، ثم تيقن أنه ترك سجدة من إحدى الركعتين، فإن علم أنه تركها من الثانية أتى بها وسجد للسهو، وسلم من جمعة، وإن علم أنه تركها من الأولى، كانت الأولى مجبورة بسجدة من الثانية، وتبطل الثانية، وعليه أن يأتي بثلاث ركعات تمام أربع، ويسجد للسهو ويسلم من ظهر. وإن شك هل تركها من الأولى أو الثانية؟ عمل على أسوأ أحواله، وأسوأ أحواله أن يكون قد تركها من الأولى، فيجبرها بالثانية، ويبني على الظهر. " المجموع " للنووي (٤/ ٥٢٦). قال أبو حنيفة: يكون مدركا للجمعة بدون الركعة، حتى لو أدرك معه الإحرام قبل سلامه بنى على الجمعة، وبه قال حماد بن أبي سليمان وإبراهيم النخعي استدلالا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ". فوجب أن يقتضي ما فاته لحصول ما أدركه. قالوا: ولأنه أدرك الإمام في حال هو فيها باق على الجمعة، فوجب أن يكون مدركا لها كالركعة. قالوا: ولأن كل من تعين فرضه بالإتمام، فإن بإدراك آخر الصلاة مع الإمام كإدراك أولها. أصله: المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام بإدراك آخر الصلاة، كما يلزمه الإتمام بإدراك أولها.
انظر: " البناية في شرح الهداية " (٣/ ٨٨ - ٩٠).
قال ابن قدامة في " المغني " (٣/ ١٨٤): ولنا، ما روى الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من أدرك من الجمعة ركعة، فقد أدرك الصلاة ". رواه الأثرم، ورواه ابن ماجه ولفظه: " فيلصل إليها أخرى " وعن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " متفق عليه، ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم.
ثم قال (٣/ ١٨٣ - ١٨٤): أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك من الجمعة مع الإمام، فهو مدرك لها، يضيف إليها أخرى، ويجزئه، وهذا قول ابن مسعود وابن عمر، وأنس، وسعيد بن المسيب والحسن، وعلقمة، والأسود، عروة، والزهري، والنخعي، ومالك، والثوري والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور وأصاحب الرأي. وقال عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول؛ من لم يدرك الخطبة صلى أربعا. لأن الخطبة شرط للجمعة، فلا تكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه شرطها. وأما من أدرك أقل من ركعة، فإنه لا يكون مدركا للجمعة، ويصلي ظهرا أربعا، وهو قول جميع من ذكرنا في المسألة السابقة. وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة: يكون مدركا للجمعة بأي قدر أدركه من الصلاة مع الإمام، لأن من لزمه أن يبني على صلاة الإمام إذا أدرك، لزمه إذا أدرك أقل منها، كالمسافر يدرك المقيم، ولأنه أدرك جزءا من الصلاة، فكان مدركا لها كالظهر. وقد تقدم ذلك.
قال الإمام مالك في " الموطأ " (١/ ١٠٥): وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا، وذلك أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ".
وأخرج مالك في " الموطأ " (١/ ١٠٥رقم ١١) حدثني يحيى عن مالك عن أبن شهاب، أنه كان يقول. من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى، قال ابن شهاب: وهي السنة. وقال أبو عمر في " التمهيد " (٧/ ٧٠): وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فذهب مالك والشافعي، وأصحابهما، والثوري، والحسن بن حي، والأوزاعي وزفر بن الهذيل، ومحمد بن الحسن في الأشهر عنه، والليث بن سعد، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وأحمد بن حنبل إلى أن من لم يدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام، صلى أربعا، وقال أحمد: إذا فاته الركوع، صلى أربعا، وإذا أدرك ركعة صلى إليها أخرى، عن غير واحد من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم ابن مسعود، وابن عمر وأنس، ذكره الأثرم عن أحمد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أحرم في يوم الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين وروي ذلك أيضًا عن إبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وحماد، وهو قول داود، واحتجا بقول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا " قالوا: مأمور بالدخول معه، وروي عن محمد بن الحسن القولان جميعا. والقول الراجح هو: أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام، فهو مدرك لها، يضيف إليها أخرى ويجزئه وهذا قول ابن مسعود وابن عمر، وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والأسود وعروة، والزهري والنخعي ومالك، والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الراي تبعا لما تقدم من عموم الأدلة ضمن الأحاديث التي تقدم ذكرها والتعليق عليها: فمنها " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
البخاري رقم (٥٨٠) ومسلم رقم (٦٠٧) - والله أعلم - قد تقدم مزيد أدلة.
وانظر: الرسالة رقم (٨٨، ٨٩، ٩٠).