والواجب بدليل قطعي، والواجب بدليل ظني، مع كون لكل واحد منهما لوازم عنده لا مدخل لها في البطلان. فغاية ما يلزم من ترك فرضا، أو واجبا أن يكون مذموما بذلك الترك، وهذا الذم لا يستلزم بطلان الذات. ولا منافاة بين كون المكلف يمدح على تأديته لما هو مكلف به، ويذم على تركه بعض ما هو فرض أو واجب فيه. فإن الصحة سقوط القضاء في العبادات، وترتب الآثار جميعا في المعاملات، وههنا قد سقط القضاء، وهكذا الإجزاء كما قرره أهل الأصول؛ فإنهم جعلوا الإجزاء كالصحة في العبادات، وأما ما قاله المتكلمون من أن الصحة موافقة الأمر فهو غير اصطلاح أهل الأصول على أنهم قد صححوا الذات التي وقع التكليف بها مع، عدم شرطها في الواقع إذا حصل الظن بفعله فقط.
إذا عرفت هذا فاعلم أن كون الشيء شرطا لشيء لا يثبت إلا بدليل يدل على عدم وجود ذلك المشروط، عند عدم ذلك الشرط، وذلك كالنفي المتوجه إلى الذات التي وقع التكليف بها كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "(١) ونحوه، فإن هذا النفي يتوجه إلى الذات الشرعية التي وقع بها التكليف، فالخطاب باق، وعلى فرض وجود ذات غير شرعية فلا اعتبار بها، لأن التكليف الذي يلزم المكلف، ويسقط به القضاء هو شيء مخصوص، وهو ما كان شرعيا لا كل فعل يفعله، وأي صورة جاء بها، سواء كانت شرعية أم لا. وبهذا تعلم أن توجه النفي إلى الذات بهذا الاعتبار صحيح، فلا ضرورة تلجئ إلى القول بأنه لا يمكن توجيهه إلى الذات، لوجودها في الخارج، بل يتوجه إلى الصحة أو الكمال، لأنا نقول: لا اعتبار بتلك الذات التي
(١) أخرجه البخاري رقم (٧٥٦) ومسلم رقم (٣٩٤) وأبو داود رقم (٨٢٢) والترمذي رقم (٢٤٧) وابن ماجه رقم (٨٣٧) وأحمد (٥/ ٣١٤) من حديث عبادة بن الصامت.