للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا تقرر هذا فاعلم أن من ادعى أن الجمعة لا تصح بدون سماع الخطبة فقد ادعى أن الخطبة شرط، أو ركن لها، إذ الذي يقتضي البطلان هو ذلك.

أما الشرط (١) فلكونه وصف ظاهر منضبط يستلزم عدمه عدم الحكم، كما تقرر في الأصول، وأما الركن (٢) فلأن الذات التي طلبها الشارع قد وجدت ناقصة، ولا تكون مجزية إلا بدليل يدل على ذلك، ولا يفيد مدعي البطلان إقامة البرهان على أن تلك الذات قد وجدت خالية عن فرض من فرائضها، أو واجب من واجباتها، لأنهما لا توجبان [١أ] بطلان ما هما فيه كذلك.

أما عند من يجعلهما مترادفين (٣) فظاهر؛ إذ هما لا يستلزمان إلا المدح للفاعل، والذم للتارك، كما تقرر في الأصول (٤) أن ذلك هو مفهومهما. أما عند من لم يجعلهما مترادفين كالحنفية (٥) فهو لا يفرق بينهما إلا من حيث ثبوت الفرض بدليل قطعي،


(١) وقال صاحب " جمع الجوامع " (٢/ ٢٠) الشرط: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودا أو عدم لذاته.
انظر: " المحصول " (١/ ١٠٩)، " الكوكب المنير" (١/ ٣٥٩).
(٢) الركن: لغة ركن الشيء جانبه القوي. وفي الاصطلاح مايقوم به ذلك الشيء من التقوم إذ قوام الشيء بركنه.
وقيل: ركن الشيء ما يتم به وهو داخل فيه بخلاف شرطه وهو خارج عنه.
" التعريفات" (ص١١٧).
(٣) ذكره صاحب " الكوكب المنير " (١/ ٣٥١ - ٣٥٢).
(٤) انظر: " نهاية السول " (١/ ٥٨)، " الإحكام " لابن حزم (١/ ٣٢٣)، " المستصفى " (١/ ٦٦).
(٥) رتب الحنفية على الفرق بينهما أثارا كثيرة منها أن حكم الفرض لازم علما وتصديقا وبالقلب وعملا بالبدن، وأنه من أركان الشرائع، ويكفر جاحده، ويفسق تاركه بلا عذر.
أما حكم الواجب فهو لازم عملا بالبدن لا تصديقا، ولا يكفر جاحده، ويفسق تاركه إن استخف به. أما إذا تأول فلا.
وإذا ترك المكلف فرضا كالركوع أو السجود بطلت صلاته، ولا يسقط في عمد ولا في سهو.
ولا تبرأ الذمة إلا بالإعادة. أما إذا ترك واجبا فإن عمله صحيح، ولكنه ناقص. وعليه الإعادة فإن لم يعد برئت ذمته مع الإثم. " المسودة " (ص ٥٠)، " تيسير التحرير " (٢/ ١٣٥).