للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحيض بدون خمار (١) ونحو ذلك، فإنها إذا قامت الأدلة المقبولة على سقوط التكليف مع تصريح الشارع بعد القبول (٢) كانت تلك الأدلة مخصصة لما يقتضيه نفي القبول، وإن لم يقم كان الواجب البقاء على نفي القبول على العموم. فإن الفعل المنفي يتضمن النكرة، فيكون من باب النكرة (٣) الواقعة في سياق النفي.

ومن جملة ما يصلح للاستدلال به على الشرطية النهي الصريح المتعلق بفعل الذات عند عدم شيء، وذلك كقول القائل: لا يصل أحدكم وهو محدث، ونحو ذلك؛ فإن النهي (٤) يدل على الفساد المرادف للبطلان (٥) إن كان لذات الشيء أو لجزء الذات، لا لأمر خارج كما قرره أهل الأصول. ولا ت نافي بين قول من قال: إنه يدل على التحريم أو القبح. ومن جملة ما يصلح للاستدلال به على الشرطية إذا قال الشارع: من فعل كذا بدون كذا ففعله خداج، أو باطل أو غير صحيح، أو غير مجز، أو نحو ذلك، مما يؤدي هذا المعنى، ويفيد هذا المفاد [٢أ]. وأما ذهاب ركن الشيء


(١) أخرجه أحمد في المسند (٦/ ١٠٥) وأبو داود رقم (٦٤١) والترمذي رقم (٣٧٧) وقال حديث حسن. وابن ماجه رقم (٦٥٥) وابن خزيمة في صحيحه (١/ ٣٨٠رقم ٧٧٥) والحاكم في " المستدرك " (١/ ٢٥١) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وهو حديث صحيح.
(٢) انظر " السيل الجرار " (١/ ٣٦١).
(٣) انظر " جمع الجوامع " (١/ ٤١٣)، " نزهة الخاطر العاطر " (٢/ ١٢٥).
(٤) قالوا أن ورود صيغة النهي مطلقة عن شيء لعينه - أي لعين ذلك الشيء كالكفر والظلم والكذب ونحوها من المستقبح لذاته: يقتضي الفساد شرعا عند الأئمة الأربعة والظاهرية. قال القرافي في " شرح وتنقيح الفصول " (ص١٧٣): ومعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها وفي المعاملات عدم ترتب أثارها عليها.
(٥) اختلف الأصوليون في اقتضاء النهي الفساد والبطلان وقيل بيان المذاهب في ذلك وما يترتب عليها من اختلاف الفروع يتعين علينا أن نوضح أمرين أثنين:
الأمر الأول: أحوال النهي:
١ - أن يأتي النهي مطلقا أي مطلقا عن القرائن الدالة على أن المنهي عنه قبيح لغيره أو لعينه وهذا نوعان: أ- نوع يكون النهي عن الأفعال الحسية، كالزناوالقتل وشرب الخمر.
ب- نوع يكون النهي فيه عن التصرفات الشرعية وذلك كالصوم، والصلاة.
٢ - أن يكون النهي راجعا لذات الفعل أو لجزئه وذلك كالنهي عن بيع الحصاة وبيع الحصاة هو أن يجعل نفس الرمي بيعا. فالنهي إذن راجع إلى ذات الفعل. وكالنهي عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة. فالنهي راجع إلى المبيع وهو ركن من أركان العقد وجزء من أجزائه.
٣ - أن يكون النهي راجعا إلى وصف لازم للمنهي عنه دون أصله وذلك كالنهي عن الرباء، فالنهي من أجل الزيادة. والزيادة ليست هي عقد البيع ولا جزء له بل وصف له. أن يكون النهي عن العمل راجعا إلى وصف مجاور له، ينفك عنه، غير لازم، لأنه قد يحصل بغيرها. الأمر الثاني: بيان معنى الصحة والبطلان والفساد. الصحة: في العبادات عند الفقهاء هي عبارة عن كون الفعل مسقطا للقضاء. وعند المتكلمين: عبارة عن موافقة الشرع وجب القضاء أو لم يجب. والصحة في المعاملات: كون العقد سببا لترتب ثمراته المطلوبة عليه شرعا. البطلان: معناه في العبادة عدم سقوط القضاء بالفعل وذلك كمن وطئ في الحج بعد الإحرام وقبل التحلل الأول. ومعناه في المعاملات: تخلف الأحكام عنها وخروجها عن كونها أسبابا مقيدة للأحكام. وذلك كبيع المضامين، كعقد النكاح على المحارم. معنى الفساد: فهو مرادف للبطلان عند جمهور الفقهاء وانظر قول القرافي وقد تقدم وعند الحنفية الفساد قسم ثالث مغاير للصحة والبطلان، فالفاسد عندهم هو ما كان مشروعا بأصله، غير مشروع بوصفه، وهو ما عرفه بعضهم بقوله: " ما كان مشروعا في نفسه، فائت المعين من وجه، لملازمة ما ليس بمشروع أياه بحكم الحال، مع تصور الانفصال في الجملة ". وذلك كعقد الربا، فإن البيع مشروع بأصله، لكن رافقه وصف الربا الذي هو غير مشروع. انظر: " التبصرة " (ص ١٠٠)، " المستصفى " (٢/ ٢٤)، " جمع الجوامع " (١/ ٣٩٣).