ولا يشك أن الخطبة من ذكر الله، وقصر الذكر على الصلاة محتاج إلى دليل فما هو؟.
أقول: إذا كان الواجب المدعو إليه هو الذكر الذي هو الخطبة، والذكر الكائن في الصلاة، فمن أين الإجمال سلمنا، فكل واحدة من الخطبة والصلاة مأمور بالسعي إليها على طريق الاستقلال، فكل واحد منهما واجب مستقل، فمن أدرك الواجبين فقد أدركهما، من أدرك أحدهما فقد أدركه، فمن أين للمدعي شرطية أحدهما للآخر، أو شطريته؟ والبرهان على ذلك وهذا هو محل النزاع، ولا سبيل له إلى ذليل يدل على أن خطبة الجمعة شرط لصلاة الجمعة، كما أنه لا سبيل له إلى تصحيح دعوى أن الخطبة شطر للصلاة، بعد تسليمه أنها صلاة مستقلة بتحريم، وتحليل، وأذكار، وأركان. فخلاصة ما يستفاد من الآية التي فيها الأمر بالسعي هو وجوب السعي، لا وجوب ما إليه السعي. ولو سلمنا أن وجوب الوسيلة بعلوم وجوب المتوسل إليه، فغاية ما هناك أنه يجب على الساعي استماع الخطبة، وهذا واجب مستقل، وفعل الصلاة، وهذا أيضًا واجب مستقل. فما الذي تقيده هذه الآية؟ غير هذا، وهو كون أحد الواجبين المنفصل أحدهما عن الآخر شرطا له أو شطرا له حتى يكون سماع الخطبة مؤثرا عدمه في عدم الصلاة.
فالحاصل أن المطلوب منه - عافاه الله - أن يبين؛ أولا الإجمال الذي ادعاه، ثم يوضع دليل الوجوب، ثم يبرهن على أن الخطبة داخلة في المدعو إليه، فإن الذي فهمه الصحابة فمن بعدهم أن الدعاء بالآية الكريمة، إنما هو إلى الصلاة [٤ب].
ثم يبين أن الخطبة شرط للصلاة، أو شطر لها، حتى يصح ما ادعاه من أن من فاتته الخطبة لم يعتد بصلاة الجماعة، فإن هذا أعني عدم الاعتداد بالشيء لا يكون إلا لفوات شرطه أو شطره، ومهما أمكنه بيان ما تقدم فلا يمكن بيان هذا الوجه الآخر بوجه من الوجوه، وهو محل النزاع.