للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن أراد المجيب أبقاه الله بالمانع طلب الدليل على مقدمة أو أكثر، فلا يخفى أيضًا أنه لا يكون الحق بيده بمجرد طلب الدليل، وغاية ما هناك أن المستدل إذا لم ينهض بالدليل على الوجه المعتبر لزم انقطاعه وعوقه، وذلك هو الغرض من الجدل ولكن عوقه وانقطاعه لا يستلزم أن يكون الحق بيد المانع [٢ب]، وغلا لزم أن يكون الحق بيد كل غالب في المراء والجدال، ولا يخفى ما يترتب على ذلك، وعلى الجلة، فعبارة المجيب في هذا المقام مشكلة جدا.

البحث الرابع

في تقرير أن الخطبة بمثابة ركعتين، وأنها شرط كما أشرنا إلى ذلك في إشراق الطلعة (١) وهو مبني على مقدمات.

الأولى: أن الحقائق الشرعية (٢) واقعة بمعنى أن الشارع نقلها عن معانيها اللغوية إلى


(١) انظر الرسالة (٨٧).
(٢) ومثال ذلك:
١ - كلفظ الصلاة والصوم، وأمثالها فإن هذه الألفاظ كانت معلومة لهم ومستعملة عندهم في معانيها المعلومة، ومعانيها الشرعية ما كانت معلومة لهم.
٢ - وقيل الحقيقة الشرعية هي اللفظ الذي استفيد من الشارع وضعه للمعنى سواء كان اللفظ والمعنى مجهولين عند أهل اللغة. ومثاله: كأوائل السور عند من يجمعها اسما لها أو للقرآن فإنها ما كانت معلومة على هذا الترتيب ولا القرآن ولا السور.
أو كانا معلومين ومثاله: كلفظ الرحمن (لله) فإن هذا اللفظ كان معلوما لهم، وكذا صانع العالم كان معلوما لهم بدليل قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: ٨٧] لكن لم يضعوه لله تعالى، لذلك قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة حين نزل قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: ١١٠]. وقال الصفي الهندي: أن يكون المعنى معلوما واللفظ غير معلوم عندهم ومثاله: كلفظ الأب فإنه قيل: إن هذه الكلمة لم تعرفها العرب، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: {وفاكهة وأبا} [عبس: ٣١]. هذه الفاكهة فما الأب؟ ومعناه كان معلوما لهم بدليل أن له اسما آخر عندهم نحو العشب.
انظر الإبهاج (١/ ٢٧٥ - ٢٧٦)، البحر المحيط (٢/ ١٥٨ - ١٥٨)، إرشاد الفحول ص ١٠٨).