للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقدمة الخامسة: أنه إذا انعدم جزء من أجزاء الماهية انعدمت لانعدامه، إذ المركب من مجموع أجزاء ينعدم لانعدام جزء منها وذلك واضح [٣أ].

المقدمة السادسة: إن الماهيات التي اعتبرها الشارع، وهي معاني الحقائق الشرعية تكون معرفتها بقول يدل على ذلك أو بفعل مبين لذلك ويعرف كون الفعل بيانا اقترانه بقول أو بقرينة كما تقرر في الأصول (١) فما شمله الفعل أو القول من الأجزاء المعتبرة فهو الملاحظ في تلك الماهية، ويلا يلغى اعتبار الجزئية إلا لدليل يدل على أنه لم يعتبر ذلك الأمر جزاء، بل اعتبره واجبا مستقلا أو شرطا أو نحو ذلك.

وبعد:

هذه المقدمات يعلم أنه وقع خطاب التكليف بصلاة الجمعة، وهي حقيقة شرعية موضوعة بإزاء ماهية اعتبارية وضعية، ولا سبيل إلى معرفة تلك الماهية المطلوبة إلا بتعريف الشارع وبيانها لنا بقول، أو فعل مع قول، أو مع قرينة، فبينها صلى لله عليه وآله وسلم، بالخطبة والصلاة في جماعة، واستمر هذا البيان من حين قدم المدينة (٢) إلى أن توفاه الله تعالى، فكانت الخطبة ركنا من أركانها وبعضا من أجزائها ولو لم تكن كذلك لبين حكمها أو تكرها لبيان الجواز ولو مرة في عمره، كما فعل في غيرها ولو لم تكن كغيرها من سائر الصلوات التي لم يجعل ما هو خارج عنها من أركانها بل هي حقيقة مستقلة اعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها ولهذا خالفت سائر الصلوات من جهات عديدة، منها عذر المسافر عنها والعبد والمرأة والمريض وأهل البادية (٣) ومنها أنها


(١) انظر الكوكب المنير (١/ ١٥٣ - ١٥٤).
(٢) تقدم ذكر ذلك.
(٣) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (١٠٦٧) وهو حديث صحيح من حديث طارق بن شهاب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض.