ادعى بعد هذا صحة إقامتها بغير خطبة براءة ذمة المكلف بفعلها كذلك فعليه الدليل، ويقرر هذا الأصل بما قاله المجيب كثر الله فوائده في هذه المقدمة ولفظه أن التعبد بالصلاة إنما ورد بصورة مخصوصة، فإذا كانت ناقصة نقصانا يخرج به عن الهيئة المطلوبة من الشارع، وهو النقصان الذاتي، فمن فعلها على تلك الصورة الناقصة لم يفعل الصورة التي طلبها منه الشارع فإذا ادعى صحتها فعليه الدليل، ويكفي المانع للصحة أن يقوم في مركز المنع حتى يأتي مدعي الصحة بما ينقله عن مقام المنع، ولا ينقله عن ذلك إلا دليل صحيح يدل على أن تلك الصورة الناقصة صحيحة مجزئة مسقطة للقضاء. انتهى كلامه (١) وهو كلام نفيس جدا.
وأما قوله بعد ذلك: هذا إذا كان قد اتفق المتناظران على أن ذلك الشيء المتروك هو ركن من أركان الصلاة التي وقع التكليف بها، وأنها بدونه ناقصة نقصانا ذاتيا إلى آخر كلامه، فجوابه أولا بالمعارضة، وهو أنه قد اتفق المتناظران على شرعية الخطبة وصحة الصلاة بها، ومقارنتها لها، وعدم ترك الخطبة من أحد ممن أقام شعارها العظيم من حين شرعها الله تعالى إلى الآن، فإنه لم ينقل إلينا أن أحدا من أهل الإسلام أقام الجمعة بغير خطبة، فمع اتفاق المتناظرين على هذا [٥ أ] فالدليل على مدعي صحتها بدون خطبة، وثانيا بأن اشتراطه كثر الله فوائده لاتفاق المتناظرين على الركنية، وأنها بدونه ناقصة نقصا ذاتيا يستلزم رفع الخلاف بينهما، وعدم الثمرة للمناظرة لأن الخصم إذا قد سلم كونها ركنا، وأنها بدونه ناقصة نقصانا ذاتيا، فماذا بقي بعد هذا إلا المكابرة التي لا تليق بمنصف.
وبعد تقرير هذه الأبحاث يعلم الجواب على المقاصد، لأن الذي اشتملت عليه إما المطالبة بدليل شطرية الخطبة أو شرطيتها، وهو الذي اشتمل عليه المقصد الأول، وبعض المقاصد الآخرة.