للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقول: لا أدري كيف كان هذا القياس دليلا شرعيا! فإن الزوجة تجب العدة عليها، وهذا فيه إيجاب الاستبراء على الرجل، ثم إن العدة إنما تكون بعد الطلاق، وهذا الاستبراء قبل البيع، ثم إن العدة إنما تجب على المرأة بعد دخول أو خلوة. وقد أوجبوا الاستبراء [٥ب] على البائع مطلقا، ثم لا يخفى تنافي أحكام النكاح والملك في كثير من الأمور لو لم يكن منها إلا أنه لا يصح الجمع بين الأحقين في النكاح، ويصح الجمع بينهما في الملك إجماع، فكيف يصح إلحاق الملك بالنكاح! مع احتلاف الأحكام وتنافيها، وعدم الجامع الذي هو أحج أركان القياس المعتبرة، ولو كان هذا القياس صحيحا لكان الأولى أن يقال: إنه يجب على الأمة إذا أعتقها سيدها بعد دخول أوخلوة أن تعتد كعدة الزوجة، ولا يجب عليها قبل الدخول أو الخلوة أن تعتد، كما لا يجب ذلك على الزوجة، ثم كان يجب على مقتضى هذا القياس الذي عولوا عليه أن يجب الاستبراء على بائع الأمة وواهبها، ولو كانت حاملا، أو مزوجة، أو معتدة، كما تجب العدة على الزوجة إذا طلقها زوجها.

والحاصل أن هذا القياس ليس فيه شيء من الأركان الأربعة (١) المعتدة عن أهل الأصول، لأن العلة الجامعة إذا لم توجد بطلت دعوى الأصلية والفرعية، ثم بطل الحكم المترتب على ذلك، فلم يبق حينئذ شيء مما ينبغي التعويل عليه.

فإن قلت: قد حكى البخاري في صحيحه (٢) عن ابن عمر أنه قال: " إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت، أو أعتقت، فلتستبرئ بحيضة، ولا تستبرئ العذراء.

قلت: ليس في هذا تصريح، فإن الإستبراء على البائع، بل ظاهره أنه يجب الاستبراء


(١) أركان القياس " أصل، وفرع، وعلة، وحكم " وهذه الأركان ما لا يتم القياس إلا به ".
انظر: " تيسير التحرير " (٣/ ٢٧٥)، " اللمع " (ص٥٧).
(٢) (٤) تعليقا.
ووصله اليبهقي (٧) وصححه الألباني في " الإرواء " رقم (٢١٣٩).
وأما قوله: " ولا تستبرأ العذراء " فقد وصله عبد الرزاق في " المصنف " (٧ رقم ١٢٩٠٦).