للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإجماع (١). وقد أوضحنا ذلك في الكتاب الذي أشار إليه السائل - دامت إفادته - فلا حاجة للتطويل بذلك هاهنا، وبالكتابة حفظ الله هذه الشريعة المطهرة، حتى علمها من تأخر، كما علمها من تقدم، ولولا ذلك لذهبت الشريعة لا سيما في العصور المتأخرة، فإن الحفاظ فيها في غاية القلة، ولم يبق من العلم إلا ما حوته بطون الدفاتر، وهكذا حفظ الله بالكتابة أخبار السلف، حتى عرفها الخلف، ولولا ذلك لذهب بها الأعصار، وصارت نسيا منسيا، وبهذا ظهرت الحكمة الإلهية في الأمر بالكتابة بنص القرآن الكريم، وما ذكره السائل - عافاه الله - في التفرقة بين العبادات والمعاملاة غير صحيح؛ فإنه لا فرق، بل الكتابة معمول بها في الجميع، وبذلك جاء القرآن الكريم؛ فإنه أمرنا بالكتابة إذا تداينا بدين، والمداينة معاملة محضة ليست من العبادات في شيء، وبهذا عمل أهل العلم قاطبة، فإنك إذا نظرت في الكتب الفقهية وجدت كثيرا من الأبواب المعقودة فيها قد ذكر فيه العمل بالكتابة كما تراه في الأزهار (٢) وفضلا عن غيره من المؤلفات - الكتاب - ولكن هذه الكتابة المعمول بها ليست الكتابة المطلقة، بل الكتابة المقيدة بقيود منها [٩ ب]: معرفة الكاتب، ومعرفة عدالته، ومعرفة خطه على وجه لا يلتبس بغيره، فإذا كان الخط جامعا لذلك، فالعمل به متعين، فإن كان كاتبه حاكما، وصرح فيه بالحكم كان ذلك منزلا منزلة أحكام الحكام وإن كان مفتيا كان ذلك بمنزلة الرواية لتلك المسألة، وإن كان لا حاكما ولا مفتيا بل حرر رقما في دين، أو بيع، أو هبة، أو نحوها كان ذلك بمنزلة الخبر من ذلك الكاتب، وحكم الخبر معروفا.


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) " الأزهار في فقه الأئمة الأطهار ". تأليف الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الحسني. / وقد تقدم.