للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ".

قوله الحادي عشر: كيف الجمع بينه وبين حديث الامتناع من الصلاة؟. أقول: لا منافاة بين كون الله يقضي دينه لا هتمامه بالقضاء، وعدم إنفاقه في سرف ولا معصية، وبين الامتناع من الصلاة عليه، فإن الامتناع هو لحق صاحب الدين الثابت على المديون في الدنيا، المتعلق ببدنه وماله. ومع هذا فقد قدمنا أن هذا الحكم قد نسخ، ومل يبق وجه للامتناع من الصلاة على مديون قط لما قررناه سابقا.

قوله: الطرف الثاين: هل تمتنع الصلاة على الظالم الناس بأخذ أموالهم تجبرا. .. إلخ؟ أقول: لو لم ينسخ هذا الحكم، أعني الامتناع من الصلاة على المديون لكان هذا أحق بالامتناع من الصلاة عليه من المديون، لكنه قد نسخ الامتناع من الصلاة على المديون فلا وجه للامتناع من الصلاة على هذا، ولا على سائر العصاة إلا ما يتخيله بعض الجامدين على التقليد من أنه لا يصلى على فاسق، وليس على ذلك آثارة من علم، ولا يصح الاستدلال لمن قال: إنه لا يصلى على قاسق بأي وجه فسق بامتناع من الصلاة على المديون لوجهين:

الأول: أنه منسوخ كما سبق.

الثاني: أنه لو كان ثابتا ولم يكن منسوخا فليس فيه أنه لا يصلى على المديون. فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " صلوا على صاحبكم " فدل على أنه يصلى عليه ويتحتم على غير النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن قام مقامه من خلفاء الرشد، وأئمة العدل أن يصلي على المديون، وأنه كسائر المسلمين في وجوب الصلاة عليه، هكذا سائر العصاة (١) من المسلمين؛ فإنهم


(١) قال ابن قدامة في " المغني " (٣/ ٥٠٨): ويصلى على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم.
قال أحمد: من استقبل قبلتنا، وصلى بصلاتنا، نصلى عليه وندفنه ويصلى على ولد الزنا والزانية، والذي يقاد منه في القصاص، أو يقتل في حد، وسئل عمن لا يعطي زكاة ماله، فقال: يصلى عليه ما يعلم أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الصلاة على أحد، إلا قاتل نفسه والغال وهذا قول عطاء والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة قال: لا يصلى على البغاة ولا المحاربين لأنهم باينوا أهل الإسلام، وأشبهوا أهل دار الحرب.
وقال ابن حزم في " المحلى " (٥/ ١٦٩) ويصلى على كل مسلم بر، أو فاجر، مقتول في حد أو في حرابة أو في بغي، ويصلي عليهم الإمام وغيره وكذلك على المبتدع ما لم يبلغ الكفر، وعلى من قتل نفسه، وعلى من قتل غيره ولو أنه شر من على ظهر الأرض إذا مات مسلما لعموم أمر النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوله: " صلوا على صاحبكم " والمسلم صاحب لنا، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: ١٠] وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: ٧١] فمن منع من الصلاة على مسلم فقد قال قولا عظيما، وإن الفاسق لأحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم. وقد قال بعض المخالفين: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل على ماعز. قلنا: نعم، ولم نقل إن فرضا على الإمام أن يصلي على من رجم، إنما قلنا: له أن يصلي عليه كسائر الموتى، وله أن يترك كسائر الموتى، ولا فرق وقد أمرهم عليه السلام بالصلاة عليه ولم يخص بذلك من لم يرجمه ممن رجمه.