للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو الرد إلى كتاب الله - سبحانه -، وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، كما نطق بذلك الكتاب العزيز (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (١). ومعنى الرد إلى الله - سبحانه - الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الرد إلى سنته بعد موته، وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.

فإذا قال مجتهد من المجتهدين: هذا حلال، وقال الآخر: هذا حرام، فليس أحدهما أولى بالحق من الآخر، وإن كان أكثر منه علما، أو أكبر منه سنا، أو أقدم منه عصرا، لأن كل واحد منهما فرد من أفراد عباد الله، متعبد بما جاء من الشريعة في كتاب الله، وسنة رسوله، ومطلوب منه ما طلبه الله من غيره من العباد. وكثرة علمه، وبلوغه درجة الاجتهاد، أو مجاوزته لها لا تسقط عنه شيئا من الشرائع التي شرعها الله لعباده، ولا يخرجه من جملة المكلفين من العباد، بل العالم كلما كان تكيلفه زائدا على تكليف غيره، ولو لم يكن من ذلك إلا ما [أوجبه] (٢) الله عليه من البيان للناس، وما كلفه به من الصدع بالحق، وإيضاح ما شرعه الله [١] لعباده (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (٣)، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا


(١) [النساء: ٥٩]
(٢) في [ب] أوجب.
(٣) [آل عمران: ١٨٧]. قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٨٠ - ١٨١): هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب، الذين أخد عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن ينوهوا بذكره في الناس ليكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الضعيف والحظ الدنيوي السخيف، فبئست الصفقة صفقتهم وبئست البيعة بيعتهم.
* وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئا فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من سئل عن علم فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من نار ". أخرجه البخاري رقم (٦١٠٥ و٦٦٥٢) ومسلم رقم (١١٠) من حديث ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه -. وقال ابن جرير في جامع البيان (٣ / ج ٤/ ٢٠٣): هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم، وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل مالا علم له به، فيخرج من دين الله، فيكون من المتكلفين، كأن يقال مثل علم لا يقال به كمثل كنز لا ينفق منه ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب، وكان يقال: طوبي لعالم ناطق، وطوبي لمستمع واع، هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه، ورجل سمع خيرا فحفظه ودعاه، واتنفع به.