للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأمر الناس، ولا يأتمر، وينهاهم ولا ينتهي (١)

وبالجملة فهذا أمر معلوم أن العلم وكثرته وبلوغ حامله إلى أعلى درجات العرفان لا يسقط عنه شيئا من التكاليف الشرعية، بل يزيد عليها شدة، ويخاطب بأمور لا يخاطب بها الجهل، ويكلف بتكاليف غير تكاليف الجاهل، ويكون ذبنه أشد، وعقوبته أعظم. وهذا لا ينكره أحد ممن له أدني تمييز لعلم الشريعة. والآيات والأحاديث الواردة في هذا المعني لو جمعت لكانت مؤلفا مستقلا، ومصنفا حافلا، وليس ذلك من غرضنا في هذا البحث، بل غاية الغرض من هذا، ونهاية القصد وبيان أن العالم كالجاهل في التكاليف [٢] الشرعية، والتعبد بما في الكتاب والسنة، مع ما أوضحناه لك من التفاوت


(١) أخرج الترمذي في سننه رقم (٢٣٨٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أن الله تعالي إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ، ألم أعلمك ما أنزلت علي رسولي؟ قال بلي يا رب قال فماذا علمت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب.
قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة له كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك. ويؤتي بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت: فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ". ثم ضرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركبتي فقال: يا أبا هريرة: أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة ".
وأخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه (٤ رقم ٢٤٨٢) والحاكم في " المستدك " (١ - ٤١٩).
وقال: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وقال: الترمذي حديث حسن غريب.
قلت: وهو حديث صحيح.