للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ريب أن الدعاء عند القبور بغير ما ورد عن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بدعة، فقد مات في عصر النبوة أجلاء الصحابة، ومنهم حمزة أسد الله وأسد رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وشهداء أحد، وشهداء بدر، ومات عثمان بن مظعون (١) الذي بكى عليه النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وعلم على قبره بصخرة ليلحق به من مات من أهله. وسعد بن معاذ (٢) الذي اهتز عرش الرحمن لموته، وغيرهم من أكابر الصحابة ولم يؤثر عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنه أرشد أحدا من أمته أنه إذا أهمته مهمة، أو نزلت به حاجة أن يأتي إلى قبر فلان من الصحابة ويقصده في قضاء الحاجات، ويتوسل به في المهمات. وعرفهم أنه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سيموت، ولم يرشدهم أنه إذا نابتهم نائبة أن يأتون إلى قبره الشريف، ويدعون عنده، وقبره سيد القبور، وعصره خير العصور. بل قال: "لا تتخذوا قبري عيدا" (٣) وعرفهم بالمحلات والأوقات التي تستجاب فيها الدعوات، ولم يقل إن قبر سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن، أو قبر سيد الشهداء ترياق مجرب لقضاء الحاجات ونيل الطلبات.

فتعمد القبور للأدعية لديها، والتوسل بأهلها لا يخفى على متحل بالإنصاف، متخل عن الاعتساف أنه بدعة لم يأت بها أثر عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ولا عن أصحابه- رضي الله عنهم - ولا عن التابعين.

وخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات البدائع [٥]

ويكفي المتدين بدين الإسلام قوله- عليه الصلاة والسلام-: " كل عمل ليس عليه


(١) أخرجه الترمذي رقم (٩٨٩) وأبو داود رقم (٣١٦٣) وابن ماجه رقم (١٤٥٦) عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكى. أو قال عيناه تزرفان. وهو حديث صحيح.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٨٠٣) ومسلم رقم (٢٤٩٦) من حديث جابر.
(٣) سيأتي تخريجه (ص ٣٢٥).