للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمرنا فهو رد " (١). فأقل أحوال الممتثل للحديث أن ينظر هل جاء بقصد القبور لقضاء الحاجات أمر من النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو فعل، أو تقرير؟ فإن جاء فبها ونعمت، وإن لم يجئ شيء من ذلك عرف أنه مردود.

فإن قيل: زيارة القبور سنة مثاب عليها جاءت بها السنة قولا وفعلا وتقريرا، فإذا دعا الداعي بعد الزيارة، فإن الدعاء بعد عمل الصالحات من مظان الإجابة، وهو إن لم يرد بخصوصه فهو داخل فيما ذكروه من تقديم عمل صالح قبل الدعاء.

قلت: لا ريب أن زيارة القبور من أجل الطاعات، وأن الدعاء بعد العمل الصالح من مظان الإجابة، ولعله- والله أعلم- حمل ابن الجزري وغيره على ما قالوه من استجابة الدعاء عند قبور الصالحين، فإن رحمة الله لا تعزب عن قبورهم، لكن الاعتبار بالمقاصد، فإن كان قصد الزائر إنما هو التوسل بالميت الصالح، فهذا هو الذي نعده بدعة، وإن كان القصد الزيارة للقبور فتلك سنة مثاب فاعلها، والدعاء بعدها مظان الإجابة. وقد أجمع المسلمون إجماعا فعليا على الدعاء بعد زيارة قبر الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فإن الزائر بعد إكمال الزيارة يتوجه إلى القبلة، ويستدبر القبر الشريف، وقد يستقبل بعض الناس القبر الشريف ويدعو، وهذا لا إنكار فيه من أحد، فالمأمون من مولانا


(١) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢٦٩٧) ومسلم في صحيحه رقم (١٧١٨) وأحمد (٦/ ٧٣، ٢٧٠) وأبو داود رقم (٤٦٠٦) وابن ماجه رقم (١٤) والدارقطني في السنن (٤/ ٢٢٤ - ٢٢٥، ٢٢٧) والبيهقي (١٠/ ١١٩) والقضاعي في مسند الشهاب (١/ ٢٣١ رقم ٣٥٩) وابن عدي في الكامل (١/ ٢٤٧) والطيالسي في المسند (ص ٢٠٢ رقم ١٤٢٢) كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
وأخرج البخاري في "خلق أفعال العباد" ص ٤٣، وأحمد في المسند (٦/ ١٤٦، ١٨٠، ٢٤٠، ٢٥٦، ٢٧٠) والبغوي في شرح السنة (١/ ٢١١ رقم ١٠٣).
وابن حجر في "تغليق التعليق" (٣/ ٣٩٧) كلهم بلفظ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وأخرج ابن حجر في "تغليق التعليق" (٣/ ٣٩٨) بلفظ: "من فعل أمرا ليس عليه أمرنا فهو رد".