للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل [١٤] تحسين.

فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها ونظر على القبر الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد صدعت حوله مجامير الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيما لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكايد الشيطان للمسلمين، وأشد وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلا قليلا، حتى يطلب من صاحب [ذلك] (١) القبر (٢) مالا يقد عليه إلا الله - سبحانه - فيصير في عداد المشركين.

وقد يحصل له هذا الشرك بأول رؤية لذلك القبر الذي صار على تلك الصفة، وعند أول زورة له (٣)، لأنه يخطر بباله أن هذه العناية البالغة من الأحياء [بمثل] (٤) هذا الميت لا يكون إلا لفائدة يرجونها منه، إما دنيوية أو أخروية، ويستصغر نفسه بالنسبة إلى من يراه زائرا لذلك القبر، وعاكفا عليه، [ومتمسحا] (٥) بأركانه.

وقد يجعل الشيطان طائفة من إخوانه من بني آدم يقفون على ذلك القبر (٦) ليخادعوا


(١) زيادة من (أ).
(٢) انظر الرسالة رقم (١) بعنوان " أسئلة وأجوبة عن قضايا التوحيد والشرك " ضمن " الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ".
(٣) انظر: " مظاهر الانحرافات العقدية " (٣ وما بعدها). تأليف: إدريس محمود إدريس.
" إغاثة اللهفان " (١) لا بن القيم.
(٤) في (ب) لمثل.
(٥) في (ب) ومقيما.
(٦) لذلك نقدم تلخيص وفوائد من الأحاديث التي تقدمت في البحث:
١ - تحريم الغلو في الصالحين، وأن هذا الغلو هو سبب الشرك في بني آدم من عصر نوح عليه السلام إلى يوم القيامة.
٢ - أن من أعظم أسباب الغلو في الصالحين والعظماء تصويرهم وإقامة المشاهد والمساجد على قبورهم.
٣ - تحريم بناء المساجد على القبور ولو كانت قبور أنبياء أو صالحين توقيعا للوقوع في الشرك.
٤ - أن اتخاذ القبور مساجد من فعل اليهود والنصارى الملعونين.
٥ - أن ذلك من الفعل موجب للعنة الله عليهم وعلى من حذا حذوهم وفعل مثل فعلهم من هذه الأمة.
٦ - تحذير النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمته من الوقوع فيما وقع فيه اليهود لئلا يفعلوا كفعلهم.
٧ - إخباره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن الذين يتخذون القبور مساجدهم شرار الخلق عن الله يوم القيامة.
٨ - أن السبب في عدم إظهار قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو خشية أن يتخذ مسجدا.
٩ - أن من توخى الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين أو إليها أو الدعاء عندها ونحو ذلك فقد اتخذها مساجد ووقع في المحظور.
١٠ - وجوب هدم كل قبر مشرف وكل مشهد مرفوع وكل أثر مقدس يفضي إلى الغلو وتعدي حدود الله. ١١ - أن نصب الخيام والفساطيط على القبور بدعة من البدع المحدثة في الإسلام وكان المقصود منها نفع الميت لا انتفاع الأحياء منه أو بواسطته خلافا لما حدث بعد ذلك نم الافتتان بالقبور وقصدها بالصلاة والطواف والتوسل والاستعاثة والدعاء، لأن الصحابة أنكروا ذلك على من فعله من العامة وبينوا لهم أن الميت إنما ينفعه عمله وليس لتظليله بالخيام أية فائدة.
١٢ - أن الحكم بتحريم اتخاذ القبور مساجد حكم محكم باق غير منسوخ إلى يوم القيامة، حيث ورد في هذه الأحاديث ما يفيد أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينطق بذلك النهي وهو في اللحظات الأخيرة من حياته المباركة:
- تقدم في حديث " قال في مرضه الذي لم يقم منه "
- وفي حديث آخر - تقدم - أنه نهى عن ذلك" قبل أن يموت بخمس ".
وقال الحافظ في " الفتح " (١ أثناء شرح الحديث رقم ٤٣٥): " وكأنه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم ".
وانظر: " مجموع الفتاوى " (٢٧) لابن تيمية. " مجموعة الرسائل).