للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء. قال: وأنا أظنه. وأبو الشعثاء هو راوي الحديث عن ابن عباس.

ومما يؤيد ذلك ما أخرجه البخاري (١)، ومالك في الموطأ (٢)، وأبو داود (٣)، والنسائي (٤)، عن ابن مسعود قال: " ما رأيت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -[٥ب]- صلى لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة " ففي هذا من ابن مسعود التصريح بأنه لم يقع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الجمع الحقيقي إلا بالمزدلفة، وقد كان أكثر الصحابه ملازمة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فأفاد ذلك أن الجمع غير الحقيقي بل صوري جمعا بين حديث ابن عباس، وحديث ابن مسعود هذا. ويزيد هذا تأكيدا أن ابن مسعود أحد رواة حديث الجمع كما بينت ذلك في غير هذا الموضع، فلا بد من الجمع بين روايتيه بما ذكرنا.

ومن المؤيدات لذلك ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال: " خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما " وهذا هو الجمع الصوري. وابن عمر ممن روى جمعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه. فهؤلاء الصحابة الذين رووا ذلك الجمع فسروه بالصوري، وكذلك فسره بعض الرواة عنهم فلم يبق حينئذ ما يشكل في المقام. فإن قلت: قد زعم بعضهم أن الجمع الصوري لم يرد عن الشارع ولا عن أهل الشرع.

قلت: ما ذكرناه هاهنا يرد زعم هذا الزاعم، وقد ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنه قال للمستحاضة: " وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر


(١) في صحيحه رقم (١٦٨٢) ومسلم في صحيحه رقم (١٢٨٩).
(٢) لم يخرجه مالك في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى الليثي، ولا من رواية محمد بن الحسن الشيباني.
(٣) في " السنن " رقم (١٩٣٤).
(٤) في " السنن " رقم (١ - ٢٩٢ رقم ٦٠٨) وهو حديث صحيح.