للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك بما ثبت في بعض ألفاظ الحديث بلفظ: " فإن اليوم يوم عاشوراء ".

إذا عرفت هذا فاعلم أن أحاديث وجوب الإمساك واردة في جنس الصوم الواجب المؤدى، فشمولها لرمضان من باب شمول النص، لا من باب القياس كما أشعر بذلك قول من سلف ذكره من أهل الأصول. ومثل هذا الوصية للوارث، فإن إيجابها لها اقترن بأحكام، وهي كونها بالمعروف (١)، وكون التبديل فيها محرما، والجنف ممنوعا، فنسخ وجوبها لا يوجب انتفاء ثبوت هذه الأحكام وغيرها من الوصايا بالنص، ولذلك نظائر كثيرة.

وهكذا لو فرض أن الصوم الواجب كان عشرا فجعل ثلاثين، فإن الأحكام الثابتة في العشر ثابتة في الثلاثين بالنص، لأنها أشياء معتبرة في ماهية الصوم، المتصفة بالوجوب، والتأدية والماهية واحدة لا تختلف.

وهكذا إذا كان الواجب يوما ثم صار ثلاثين، وإلا لزم أن ما ثبت من الأحكام المتعلقة بالصوم في يوم مثلا من أيام رمضان يخص ذلك اليوم، وليس في جميع الشهر لأيام زيادة على جمع السنة لأيامها التي عاشوراء من جملتها. وقد تقرر في الأصول أن زيادة صلاة سادسة (٢) لا يكون نسخا بالإجماع، إلا ما يحكى عن العراقيين (٣) من الحنفية.


(١) يشير إلى قوله تعالى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠].
(٢) انظر " الكوكب المنير " (٣/ ٥٨٣ - ٥٨٤). نهاية السول (٢/ ١٨٩). " الإحكام " للآمدي (٣/ ١٧٠).
قال الرازي في " المحصول ": " اتفق العلماء على أن زيادة عبادة على العبادات لا تكون نسخا للعبادات ". ومعلوم أنه لا يخالف في مثل هذا أحد من أهل الإسلام لعدم التنافي. قاله الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص ٦٤٥) وانظر: " اللمع " (ص ٣٥).
(٣) قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص ٦٤٥) " ... وإما أن يكون من جنسه كزيادة صلاة على الصلوات الخمس فهذا ليس بنسخ على قول الجمهور وذهب بعض أهل لعراق إلى أنها تكون نسخا لحكم المزيد عليه كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] لأنها تجعلها غير الوسطى وهذا قول باطل لا دليل عليه ولا شبهة دليل فإن الوسطى ليس المراد بها المتوسطة في لعدد بل المراد بها الفاضلى. ولو سلمنا أن المراد بها المتوسطة في العدد لم تكن الزيادة مخرجة لها عن كونها مما يحافظ عليه، فقد علم توسطها عند نزول الآة وصارت مستحقة لذلك الوصف وإن خرجت عن كونها وسطى.