وإذا تقرر ما ذكرناه من كون التحريم قطعيا فاعلم أن كون من عليه الزكاة مخلا بشيء مما أوجب الله عليه، أو تاركا لفرض من فرائض الإسلام، أو لركن من أركانه لا يوجب تحويل المصرف الذي جعل صرف الزكاة إليه إلى مصرف آخر، ولا يحلل الزكاة لمن حرمها الله عليه؛ فإن الله - سبحانه - قد أوجب على من عصاه بذنب عقوبات معروفات، منها ما هي دنيوية، ومنها ما هي أخروية، فمن مثلا متساهلا في الصلاة فالواجب على كل مسلم أن يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ويحمله على القيام بما أوجب الله عليه طوعا أو كرها، وليس لمن كان غير مصرف للزكاة كالأغنياء، وبني هاشم أن يقولوا به، ونخون الله في بعض ما حرمه علينا، فنأكل زكاة هذا المتساهل في بعض الصلاة، فإن هذا من تشفيع معصية بمعصية، وذنب بذنب، وبلية ببلية.
وما مثل هذا الغني أو الهاشمي لذي أقدم على أكل زكاة من عصى الله بذنب أو ذنوب إلا مثل بعض أعوان سلاطين الدنيا إذا عثر على خيانة للسلطان من بعض الأعوان فخانه مثل تلك الخيانة قائلا: قد سبقه إلى الخيانة فلان فاقتدى به، والكل معصية للسلطان، وخيانة له، وجناية عليه، وهكذا ما نحن بصدده هو خيانة لله، ومعصية له، وتعد لحدوده، فإن زكاة ذلك العاصي قد جعلها الله لمصارف معروفة معينة، فهي حق لهم، وليست بحق للعاصي، فمن أكلها ممن لا تحل له فقد أكل أموال مصارف الزكاة وظلمهم، وجنى عليهم، ولم يأكل مال ذلك العاصي التارك لبعض ما أوجبه الله عليه، فما ذنب هؤلاء المصارف حتى يأكل أموالهم من منعه إليه من أكلها، فإن قال من حرم الله عليه الزكاة أنه استحل هذه الزكاة عقوبة لمعصية المزكي، فيقال له: هذا باطل من وجوه:
الأول: إن هذه العقوبة بالمال واردة على خلاف الأصول الشرعية، فبقر حيث وردت، وذلك في جزئيات معروفة