للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله إنما حرم عليك أوساخ المؤمنين، ولم يحرم عليك أوساخ الفسقة والعصاة المتلوثين بالذنوب، فقد ركبت شططا، وسلكت غلطا، ولو فرضنا أن هذا الذي أخرج الزكاة قد ارتكب من المعاصي ما يوجب انسلاخه عن الدين بإجماع المسلمين، وصار في عداد المرتدين، فالذي يجب علينا حينئذ أن نعامله معاملة المرتدين في النفس والمال، فنطالبه بالإسلام، فإن قبل فذاك، وإن أبى فالسيف هو الحكم العدل، وهذ هو الذي أوجبه الله علينا، وطلبه منا، وليس لنا أن نعمد إلى ما قد أخرجه من ماله باسم الزكاة فنأخذه ونقرره على كفره، ونوهمه أن ذلك الذي أخرجه زكاة، وأنه من المسلمين، فإن هذا الذي أخرجه على فرض أنه ليس بزكاة شرعية هو تمليك منه لمصارف الزكاة، أو إباحة لهم، والتمليك من الكافر والإباحة صحيحان بإجماع المسلمين، فكيف يحل لنا أن نظلمهم بأخذ ما قد استحقوه بالتمليك، أو الإباحة، وهذا إنما هو على طريقة التنزل، وإرخاء العنان في المناظرة وإلا فنحن نعلم أن هؤلاء العصاة لو خبطوا بأسواط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقاموا بجميع ما أخلوا به، فضلا عن يمدوا أعناقهم للسيف، ويصروا على الكفر بعد الاستتابة، بل لو وجدوا من يعلمهم معالم الدين، ويبذل نفسه للهداية، ويصبر نفسه معهم، ويقرعهم بالقوارع التي في كتاب الله، وسنة رسوله، ويرغبهم برغائب الوعد للمطيعين، ويرهبهم بالترهيبات التي رهب الله بها العصاة لما شذ عن الإجابة إلا القليل، لأنهم يثبتون لأنفسهم الإسلام، وينفون عنها الكفر من نسبة ذلك إليه، وينفرون عنه، فليسوا ممن شرح بالكفر صدرا، بل لو قيل لأحدهم إنه كافر لقامت عليه القيامة، وقابل من رماه بذلك بكل حجر ومدر.

وهذه المقامات التي هن مقامات التكفير، هو مزالق الأقدام، ومزلات أنظار الأعلام، فمن أقام نفسه فيها، وحكم على بعض من ينتمي إلى الإسلام بالكفر، فقد تعرض لأمر عظيم، وأدخل نفسه في مدخل وخيم، فإن أسباب الكفر بعيدة المدارك مظلمة المسالك، ومن دخل في شيء من هذه القوانين التي يتعامل بها البدو المسماة عندهم تارة بالمنع، وتارة بالشرع لا يكفر بمجرد الدخول في ذلك، حتى يعلم أن تلبسه