للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البرهان على الكفر (١)، ولا بد بعد قيام البرهان على أن ذلك سبب من أسباب الكفر أن


(١) قال الشوكاني في " السيل " (٣/ ٧٨٣ - ٧٨٥): اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإن ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " أخرجه البخاري رقم (٦١٠٣).
وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما: " من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا خار عليه " أي رجع - البخاري رقم (٦٠٤٥) ومسلم رقم (١١٢/ ٦١) من حديث أبي ذر - ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن السراع في التكفير. وقد قال عز وجل: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: ١٠٦]. فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفته لطريقة الإسلام.
ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه.
فإن قلت: قد ورد في السنة ما يدل على كفر من حلف بغير ملة الإسلام، وورد في السنة المطهرة ما يدل على كفر من كفر مسلما كما تقدم. وورد ي السنة المطهرة إطلاق الكفر على من فعل فعلا يخالف الشرع كما في حديث: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " - أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦٧٨٥) ومسلم رقم (٦٦) - ونحوه مما ورد مورده وكل ذلك يقيد أن صدور شيء من هذه الأمور يوجب الكفر وإن لم يرد قائله أو فاعله به الخروج من الإسلام إلى ملة الكفر. قلت: إذا ضاقت عليك سبل التأويل ولم تجد طريقا تسلكها في مثل هذه الأحاديث فعليك أن تقرها كما وردت وتقول من أطلق عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسم الكفر فهو كما قال , ولا يجوز إطلاقه على غير من سماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المسلمين كافرا إلا من شرح بالكفر صدرا، فحينئذ تنجو من معرة الخطر وتسلم من الوقوع في المحنة.
فإن الإقدام على ما فيه بعض البأس لا يفعله من يشح على دينه ولا يسمح به فيما لا فائدة فيه ولا عائدة، فكيف إذا كان يخشى على نفسه إذا أخطأ أن يكون في عداد من سماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كافرا. فهذا يقود إليه العقل فضلا عن الشرع، ومع هذا فالجمع بين أدلة الكتاب والسنة واجب، وقد أمكن هنا بما ذكرنا، فتعين المصير إليه، محتم على كل مسلم أن لا يطلق كلمة الكفر إلا على من شرح صدرا ويقصد ما ورد مما تقدم على موارده وهذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق:
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق له واضح