يكون المرتكب له عالما بأنه كفر، شارحا به صدره، مصرا على البقاء عليه، غير راجع عنه، وبعد أن يتقرر كفره لا يحل لأحد أن يعمد إلى ما قد أخرجه من ماله، وخرج ملكه إلى مصارفه الشرعية، فإن تلك القطعة من ماله قد أخرجها باسم الزكاة لمصارفها، فإذا لم يكن زكاة لمانع فيه كانت إباحة لمصارف الزكاة دون غيرهم، وذلك منه صحيح لا مانع عنه، فمن أخذها فقد ظلم المصارف؛ لأن الإباحة لهم لا لغيرهم. وقد خرجت عن ملك مالكها.
وعلى فرض أنه يصح الرجوع عن الإباحة فالذي يجوز له الرجوع فيها هو مخرجها لا غيره. ولا يقدح في ذلك كون الذي أخرجها إنما أخرجها لغرض دنيوي، كاعتقاده أنه لا يأتي له ثمرة كاملة في ماله إلا بإخراج الزكاة، فإنه إنما أخرجها هاهنا إلى قوم هم أهلها ومصارفها، لأن ما يعتقده من كمال الثمرة، وحصول البركة إنما يكون بالصرف إلى المصارف، لا إلى غيرهم , وهذا أعني: التعويل على أنها كالإباحة لقوم معينين إنما هو بعد تسليم الكفر الصراح، والردة البحت، وانتفاء الشبهة، وارتفاع حكم الإسلام بالمرة.
وأما مع عدم كذلك فهي زكاة بلا شك، ولا شبهة، وإن كان كثير المعاصي، مسرفا على نفسه كلية الإسراف. وما ذكره السائل - كثر الله فوائده - في الغني فهو كما قال، ودليل تحريم الزكاة على الغني قطعي في الأصناف التي ورد اعتبار الفقر فيها بنص الكتاب، أو بصحيح السنة، أو بإجماع المسلمين , وأما الأصناف التي لم يعتبر فيها الفقر فمن كان من أهلها فهي حلال له من تلك الحيثية التي سوغها الشارع له، كالعامل عليها، والمؤلف منها، والغارم.
وبالجملة فجميع ما قدمنا من الكلام ليس بخاص ببعض من تحرم عليه الزكاة دون