للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض رواته. وقد أطال الكلام على ذلك صاحب الميزان، ومن الغرائب أن الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير (١) - رحمه الله - قال - بعد سياقه لهذا الحديث - ما لفظه: وأحسب له متابعا لشهرة القول به، قال: والقائل به جماعة وافرة من أئمة العترة، وأولادهم، وأتباعهم، بل ادعى بعضهم أنه إجماعهم , ولعل توارث هذا بينهم يقوي الحديث. انتهى. وصدور هذا الكلام من مثل هذا الإمام من أعجب ما يطري الأسماع، فإنه بعد اعترافه بأنه اتهم به بعض رواته عول على مجرد الحسبان بأن لذلك الراوي متابعا، وهذا الحسبان لا يجوز التعويل عليه، ولا التمسك به بإجماع المسلمين، بل لو كوشف هذا العلامة - رحمه الله - عن هذا لما خالف، فإن الحسبان لو كان حجة ومستندا لقال من شاء ما شاء، فما يعجز من جاء بحديث في إسناده كذاب أو وضاع قد اتهم به أن يقول: أحسب أن له متابعا، ويكون هذا الحسبان حجة له على الناس، وهذا من غرائب التعسفات، وعجائب الكبوات.

وأما تعليل هذا الحسبان بأن القائل به كثير فليست الكثرة دليلا على الحق بإجماع المسلمين، على أنه لا كثرة هاهنا، بل القائل بذلك بالنسبة إلى المخالفين له نزر يسير، وعدد حقير، ولم أسمع إلى الآن من جعل ذهاب طائفة من الناس إلى قول من الأقوال دليلا على أن ذلك القول حق، وأن دليله صحيح، فاعتبر بهذا من مثل هذا الإمام، واجعله زاجرا لك عن التقليد، وليس مقصودنا من هذا الإزراء عليه - رحمه الله - فهو إمام الناس في التبحر في جميع المعارف، والوقوف على الدليل، وعدم التعويل على ما يخالفه من القال والقيل. وقد نفع الله به من جاء بعده، ولكن المعصوم من عصمه الله، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك، وما أردت بهذا التنبيه إلا تحذير أهل العلم عن إحسان الظن بعالم من العلماء، حتى يفضي هذا الإحسان إلى تقليده في كل ما يأتي ويذر، واعتقاد أنه محق في كل إيراد وإصدار، فهذه رتبة ما فاز بها إلا المعصومون


(١) عزاه إليه الأمير الصنعاني في " منحة الغفار " (٢/ ٣٤١).