قال الحافظ في " الفتح " (٩/ ١٢٠): فإن قيل لم لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كما أمر غيره، فالجواب أن أبا هريرة كان الغالب في حاله ملازمة الصيام لأنه كان من أهل الصفة. قلت - أي البخاري - ويحتمل أن يكون أبا هريرة سمع: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج " تقدم تخريجه. لكنه إنما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود، وكانوا في حال لغزو يؤثرون الفطر على الصيام للتقوي على القتال، فأذاه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء كما ظهر لعثمان فمنعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، وإنما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيها لغيره لأنه ذكر أنه لا يجد شيئا، ومن لم يجد شيئا أصلا لا ثوبا ولا غيره، فكيف يستمتع؟ والتي يستمتع بها لا بد لها من شيء " - كان نكاح المتعة مرخصا فيه في حال الضرورة كالغزو، ثم حرم نهائيا في غزوة خيبر، وفيها أسلم أبو هريرة، فلذلك لم يأذن له به. واعلم أن الحكمة من عدم الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحدية. وقال الحافظ في " الفتح " (٩/ ١١٩) قوله: " فنهانا عن ذلك " - عند البخاري في الحديث رقم (٥٠٧٥) هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم. وفيه أيضًا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، وفيه إبطال معنى الرجولة وتغيير خلق الله وكفر النعمة؛ لأن خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال. (٢) قال الحافظ في " الفتح " (٩/ ١١٩): ومحصل الجواب أن جميع الأمور بتقدير الله في الأزل، فالخصاء وتركه سواء، فإن الذي قدر لا بد أن يقع. وقوله: " على ذلك " هي متعلقة بمقدر؛ أي اختص حال استعلائك على العلم بأن كل شيء بقضاء الله وقدره , وليس إذنا في الخصاء بل فيه إشارة إلى النهي عن ذلك، كأنه قال: إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله فلا فائدة في الاختصاء وقد تقدم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك - الحديث رق م (٥٠٧٣، ٥٠٧٤) - وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة.