للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما أنت لاق، فاختص على ذلك أو ذر ".

ولو كان الصحابة يفعلون ذلك لما عدل عنه أبو هريرة إلى طلب الترخيص في أن يختصي، ولو كان إلى جواز ذلك سبيل لأرشده من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، ولم يعدل إلى ذلك الجواب القاطع للطمع عن كل رخصة في حق من بلغ في المشقة إلى تلك الغية. انتهى.

وأقول: ليس في الحديث شيء من الدلالة التي زعمها، أو التأييد لذي ذكره.

أما قوله: لو كان الصحابة يفعلون ذلك لما عدل عنه، فليس كل مباح كان الصحابة يفعلونه، ولم يقل أحد من أهل الإسلام: إن ما لم يفعله الصحابة حرام، وإلا لزم تحريم كثير من الأطعمة والأشربة والأدوية والملبوسات التي كان الصحابة لا يفعلونها، واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله.

وأما كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرشد أبا هريرة إلى الاستمناء، فلم يقل أحد من علماء الإسلام أن كل ما لم يرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه يكون حراما، وإنما السنة قوله وفعله، وتقريره، وليس منها ترك إرشاده، وغاية ما في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أبا هريرة أن ما يلاقيه من شدة الحاجة إلى النكاح هو بقدر الله (١)، عز وجل.

والحاصل أن هذا الاستمناء إن لم يستلزم ما ذكره الله - عز وجل - في كتابه العزيز من قوله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} (٢) ولا كان فيه مباشرة لقدر كما علله الله به اعتزال الحائض: {قُلْ هُوَ أَذًى} (٣)، بل كان عند الضرورة، والحاجة وعدم الزوجة، والأمة، أو البعد عنهما، فلا وجه لتحريمه، وغاية ما فيه أن يقال: هو


(١) تقدم ذكره.
(٢) [الشعراء: ١٦٦].
(٣) [البقرة: ٢٢٢].