للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدخل تحت صوره غالبا إلا إذا كانت مستحيلة، وهي لا تكون مستحيلة إلا إذا أراد إن لم تطلع في جزء من أجزاء الليل، والإرادة ينافي الدخول تحت صوره غالبا؛ لأنها فيما كان مطلقا من الصيغ لا فيما كان معلقا بجزء معين، فإنه لا ثمرة في اقتضائه الفور. والتراخي أو التعبير بالإرادة والقصد موجب للعمل به، فإذا قال القائل لامرأته: إن لم تطلع الشمس فأنت طالق، وكان عند هذا القول في الليل لم يصح أن يحكم عليه بأن هذه الصيغة تقتضي الفور حتى تطلق في الحال، إلا بعد معرفة أن ذلك مستحييل، ولا نعرف أنه مستحيل إلا إذا علمنا أنه أراد عدم الطلوع في الليل، لا إذا لم يسلم ذلك، إذ من الجائز أن يكون أراد عدم طلوعها في الوقت المعتاد وليس ذلك بمستحيل، فقد توقف كونها للفور على كونها مستحيلة، كونها مستحيلة على إرادة جزء معين، وإرادة جزء معين تنافي كونها للفور، وهذا فيه دقة، ولهذا أوضحته بالتكرار.

وإذا تقرر هذا فالمتوجه الرجوع إلى الإرادة كما أسلفنا، فإن أراد إن لم تطلع الشمس في الليل طلت زوجته (١)، وإن أراد إن لم تطلع في الوقت المعتاد لطلوعها لم تطلق؛ لأنها ستطلع لكنها تطلق بالشرط الآخر، وهو قوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق.

فالحاصل أن الصورة الأولى من صورتي الشرط المذكورتين في السؤال لا يقتضي عدم جواز الوطء في الليل، إلا إذا أراد إيقاع الطلاق إن لم يقع الطلوع في الليل، لا إذا لم يرد ذلك فلا يقع؛ لأنها طالعة في وقتها دائما (٢).

والصورة الثانية (٣): تقتضي وقوع الطلاق عند طلوع الشمس في وقت طلوعها، ولا


(١) تقدم ذكر ذلك.
(٢) في هامش المخطوط ما نصه " فإذا لم يكن له إرادة هل يكون الخلاف فيه لو علق الطلاق بطهارة ثوب، هل يرجع إلى الأصل أو إلى عدم وقوع وصفهم أو ما ذا يكون الحكم؟ ".
(٣) من السؤال: وهو قوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق.
قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (٣٣/ ١٩٧): وأما التعليق المحض كقوله: إن طلعت الشمس فأنت طالق، ففيه قولان مشهوران لهم، ومذهب الشافعي وأصحاب أحمد في أحد الوجهين ليس بيمين كاختيار القاضي أبي يعلى، ومذهب أبي حنيفة وأصحاب أحمد في الوجه الآخر: هو يمين، كاختيار أبي الخطاب.
وقال النووي في " المجموع " (١٨/ ٢٩٦): إذا علق الطلاق بشطر لا يستحيل كدخول الدار ومجيء الشهر، تعلق به، فإذا وجد الشرط وقع، وإذا لم يوجد لم يقع.
وقال المطيعي في " التكملة " (١٨/ ٢٩٧): فإنه إذا علق طلاق امرأته بشرط غير مستحيل لم يقع الطلاق قبل وجود الشرط، سواء كان الشرط يوجد لا محالة، كقوله: إذا طلعت الشمس فأنت طالق، أو كان الشرط قد يوجد ولا يوجد، كقوله: إذا قدم القطار من الإسكندرية فأنت طالق، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة والثور.
وقال الزهري وابن المسيب والحسن البصري ومالك: إذا علق الطلاق بشرط يوجد لا محالة كمجيء الليل والنهار والشمس والقمر وما أشبههما وقع الطلاق في الحال قبل وجود الشرط.