للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال حفظه الله ما لفظه:

ورد إلينا سؤال من بعض المحلات النائية في رجل أجبره العامل على التلفظ بالطلاق، فتلفظ به بعد أن حبسه وقيده، هل يقع أم لا؟ ولم ينوه، وقد [قيل] (١) فيه جوابات مختلفة، وأدلة متباينة.

فأجبت بما لفظه:

الحمد لله، وقف الحقير محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما - على هذا السؤال، وما عليه من الأجوبة.

وأقول: إن كان المسئول عنه كلام أهل المذهب؛ فهم مصرحون بأن الاختيار شرط لنفوذ الطلاق لا يلزم حكمه الآية، وهذا مدون في كتبهم الفقهية، كالأزهار (٢)، والبيان (٣)، والبحر (٤). وهذه مدارس الزيدية في عصرنا الآن.

وكذلك وقع التصريح بذلك في سائر كتب الآل وأتباعهم. وقال النخعي , وابن المسيب، والثوري، وعمر بن عبد العزيز، وأبو حنيفة وأصحابه أنه يقع الطلاق من المكره (٥)، والمذهب الأول هو الراجح عندي (٦)، لحديث: " لا طلاق في إغلاق "


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) (٢/ ٣٥٩ مع السيل الجرار).
(٣) انظر " مؤلفات الزيدية " (١/ ٢٢٢ - ٢٢٣).
(٤) (٣/ ١٦٥ - ١٦٦).
(٥) ذكره عنهم ابن قدامة في " المغني " (١٠/ ٣٥٠): فقد قال: وأجازه أبو قلابة، والشعبي، والنخعي، والزهري والثوري، وأبو حنيفة وصاحباه؛ لأنه طلاق من مكلف، في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره. وانظر " البناية في شرح الهداية " (٥/ ٢٥).
(٦) قال الشوكاني في " السيل الجرار " (٢/ ٣٦٢): الأقوال والأفعال الصادرة على وجه الإكراه قد دلت أدلة الشرع الكلية والجزئية على أنه لا يترتب عليها شيء من الأحكام؛ فإن الله سبحانه لم يجعل من كفر مكرها كافرا، فقال: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦].
وإذا كان الإكراه مبطلا للكفر بالله والإشراك، فما ظنك بغيره. وقال سبحانه: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦].
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لما دعاه عباده بهذه الدعوات، قال: " قد فعلت " وهو حديث صحيح تقدم. فالمكره لو كلف بما أكره به ويثبت عليه أحكامه لكان قد حمل ما لا طاقة له به، ومن هذا القبيل حديث: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " فإن له طرقا يشهد بعضها لبعض، ولذلك حسنه من حسنه - تقدم - والمراد بالرفع رفع الخطأ بذلك وترتب أحكامه عليه. وهذا المقدار يكفي في الاستدلال على عدم صحة طلاق المكره على تقدير عدم وجودها ما يدل عليه بخصوصه، فكيف وقد دل عليه خصوصا حديث: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ".