للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذلك] (١) وقوله: فإنما الرضاعة من المجاعة، توضح الباعث على إمعان النظر والفكر؛ لأن الرضاعة تثبت السبب، وتجعل الرضيع محرما، وقوله: من المجاعة، أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة حيث يكون الرضيع طفلا، يسد اللبن جوعته، لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير جزءا من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة.

وقال المحقق ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى - في شرح العمدة (٢): وفيه - يعني في هذا الحديث - دليل على أن (إنما) للحصر؛ لأن المقصود حصر الرضاعة المحرمة في المجاعة، لا مجرد إثبات الرضاع في زمن المجاعة.

وقال القرطبي (٣) في قوله: إنما الرضاعة من المجاعة: قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في الزمن الذي يستغني به الرضيع باللبن، ويعتضد بقوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (٤) فإنه يدل على أن هذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة، المعتبر شرعا، فما زاد عليه لا يحتاج إليه عادة، فلا يعتبر شرعا، إذ لا حكم للنادر، والحدود الشرعية تبنى على الأغلب، فهذا الحديث الذي سقنا الكلام فيه، الواقع جوابا عن قول عائشة أنه أخي من الرضاعة قد وقع فيه الأمر الدال على الوجوب العام لها ولغيرها بالنظر منهن في الأخوة لهن وسببها، ثم توضيح الباعث على النظر، فإن حكم التحريم إنما ثبت مع المجاعة، وتأكدت دلالة الأمر على الوجوب برؤية الغضب في وجهه، واشتداد الأمر عليه. ومع هذا فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لم يستيقن عدم الأخوة لتجويزه أن تكون الرضاعة وقعت في غير سن الرضاعة، فدلالته على الحكم بعدم التحريم مع استيقان وقوع الرضاعة في غير زمنها ثابتة بالأولى، وهذا واضح. واستدلوا أيضًا بحديث


(١) كذا في المخطوط والذي في الفتح [بغير الرضاع].
(٢) (٤/ ٨٠).
(٣) في " المفهم " (٤/ ١٨٨).
(٤) [البقرة: ٢٣٣].